الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا } أي لن يصيب رضا الله تعالى اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } ولكن يصيبه ما يصحب ذلك من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيمه تعالى والتقرب له سبحانه والإخلاص له عز وجل. وقال مجاهد: أراد المسلمون أن يفعلوا فعل المشركين من الذبح وتشريح اللحم ونصبه حول الكعبة ونضحها بالدماء تعظيماً لها وتقرباً إليه تعالى فنزلت هذه الآية، وروي نحوه عن ابن عباس وغيره وقرأ يعقوب وجماعة { لَن تَنَالُ. وَلَكِنِ تَنَالُهُ } بالتاء. وقرأ أبو جعفر الأول بالتاء والثاني بالياء آخر الحروف، وعن يحيـى بن يعمر والجحدري أنهما قرآ بعكس ذلك. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { لَن يَنَالَ. وَلَكِن يَنَالُهُ } بالبناء لما يسم فاعله في الموضعين { ولحومها ولا دماءها } بالنصب.

{ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } كرره سبحانه تذكيراً للنعمة وتعليلاً له بقوله تعالى: { لِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ } أي لتعرفوا عظمته تعالى باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره عز وجل فتوحدوه بالكبرياء، وقيل: أي لتقولوا الله أكبر عند الإحلال أو الذبح { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } أي على هدايته وإرشاده إياكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها، فما مصدرية، وجوز أن تكون موصوفة وأن تكون موصولة والعائد محذوف، ولا بد أن يعتبر منصوباً عند من يشترط في حذف العائد المجرور أن يكون مجروراً بمثل ما جر به الموصول لفظاً ومعنى ومتعلقاً، و { عَلَىٰ } متعلقة بتكبروا لتضمنه معنى الشكر أو الحمد كأنه قيل: لتكبروه تعالى شاكرين أو حامدين على ما هداكم، وقال بعضهم: على بمعنى اللام التعليلية ولا حاجة إلى اعتبار التضمين، ويؤيد ذلك قول الداعي على الصفا: الله أكبر على ما هدانا والحمد لله تعالى على ما أولانا، ولا يخفى أن لعدم اعتبار التضمين هنا وجهاً ليس فيما نحن فيه فافهم.

{ وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي المخلصين في كل ما يأتون ويذرون في أمور دينهم. وعن ابن عباس هم الموحدون.

ومن باب الإشارة في الآيات: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } بالإعراض عن السوى وطلب الجزاءإِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ } [الحج: 1] وهي مبادي القيامة الكبرى { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } وهي مواد الأشياء فإن لكل شيء مادة ملكوتية ترضع رضيعها من الملك وتربيه في مهد الاستعداد { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ } وهي الهيولات / { حِمْلِهَا } وهي الصور يوم تبدل الأرض غير الأرض والسمٰوات { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ } الحيرةوَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ } [الحج: 2] المحبة، قيل سكر الأعداء من رؤية القهريات، وسكر الموافقين من رؤية بدائع الأفعال، وسكر المريدين من لمعان الأنوار. وسكر المحبين من كشوف الأسرار، وسكر المشتاقين من ظهور سني الصفات، وسكر العاشقين من مكاشفة الذات.

السابقالتالي
2 3 4