الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعَـٰئِرِ ٱللَّهِ } أي من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى، والبدن جمع بدنة وهي كما قال الجوهري: ناقة أو بقرة تنحر بمكة. وفي «القاموس» هي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة وتطلق على الذكر والأنثى وسميت بذلك لعظم بدنها لأنهم كانوا يسمنونها ثم يهدونها، وكونها من النوعين قول معظم أئمة اللغة وهو مذهب الحنفية فلو نذر نحر بدنة يجزئه نحر بقرة عندهم وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب، وأخرج عبد بن حميدة وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا تعلم البدن إلا من الإبل والبقر. وفي «صحيح مسلم» عن جابر رضي الله تعالى عنه كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال: وهل هي إلا من البدن.

وقال صاحب «البارع» من اللغويين: إنها لا تطلق على ما يكون من البقر، وروي ذلك عن مجاهد والحسن وهو مذهب الشافعية فلا يجزي عندهم من نذر نحر بدنة نحر بقرة، وأيد بما رواه أبو داود عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " فإن العطف يقتضي المغايرة وفيما يأتي آخراً تأييد لذلك أيضاً، والظاهر أن استعمال البدنة فيما يكون من الإبل أكثر وإن كان أمر الإجزاء متحداً. ولعل مراد جابر بقوله في البقرة وهل هي إلا من البدن أن حكمها حكمها وإلا فيبعد جهل السائل بالمدلول اللغوي ليرد عليه بذلك، ويمكن أن يقال فيما روي عن ابن عمر: أن مراده بالبدن فيه البدن الشرعية، ولعله إذا قيل باشتراكها بين ما يكون من النوعين يحكم العرف أو نحوه في التعيين فيما إذا نذر الشخص بدنة ويشير إلى ذلك ما أخرجه ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرياحي عن أبيه قال: أوصى إليَّ رجل وأوصى ببدنة فأتيت ابن عباس فقلت له: إن رجلاً أوصى إلي وأوصى ببدنة فهل تجزي عني بقرة؟ قال: نعم ثم قال: ممن صاحبكم؟ فقلت: من رياح قال: ومتى اقتنى بنو رياح البقر إلى الإبل وَهِم صاحبكم إنما البقر لأسد وعبد القيس فتدبر.

وقرأ الحسن وابن أبـي إسحاق وشيبة وعيسى { البدن } بضم الباء والدال، قيل وهو الأصل كخشب وخشبة وإسكان الدال تخفيف منه، ورويت هذه القراءة عن نافع وأبـي جعفر وقرأ ابن أبـي إسحاق أيضاً بضم الباء والدال وتشديد النون فاحتمل أن يكون اسماً مفرداً بنى على فعل كعتل واحتمل أن يكون التشديد من التضعيف الجائز في الوقف وأجري الوصل مجرى الوقف، والجمهور على نصب { البدن } على الاشتغال أي وجعلنا البدن جعلناها، وقرىء بالرفع على الابتداء، وقوله تعالى: { لَكُمْ } ظرف متعلق بالجعل، و { مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } في موضع المفعول الثاني له.

السابقالتالي
2 3 4