الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }

وقوله تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } خطاب لكفار مكة وتصريح بمآل أمرهم مع كونه معلوماً مما سبق على وجه الإجمال مبالغة في الإنذار وإزاحة الأعذار، فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها بما على بابه لأنها على المشهور لما لا يعقل فلا يرد أن عيسى وعزيراً والملائكة عليهم الصلاة والسلام / عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم، وشاع أن عبد الله بن الزبعرى القرشي اعترض بذلك قبل إسلامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام: يا غلام ما أجهلك بلغة قومك لأني قلت { وَمَا تَعْبُدُونَ } وما لما لم يعقل ولم أقل ومن تعبدون. وتعقبه ابن حجر في «تخريج أحاديث الكشاف» بأنه أشهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم وهو لا أصل له ولم يوجد في شيء من «كتب الحديث» مسنداً ولا غير مسند والوضع عليه ظاهر والعجب ممن نقله من المحدثين انتهى.

ويشكل على ما قلنا ما أخرجه أبو داود في «ناسخه». وابن المنذر وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس قال: لما نزل { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } الخ شق ذلك على أهل مكة وقالوا: أتشتم آلهتنا فقال ابن الزبعري: أنا أخصم لكم محمداً ادعوه لي فدعي عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله تعالى؟ قال: بل لكل من عبد من دون الله تعالى فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ ألست تزعم يا محمد أن عيسى عبد صالح وأن عزيراً عبد صالح وأن الملائكة صالحون؟ قال: بلى قال: فهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيراً وهذه بنو مليح تعبد الملائكة فضج أهل مكة وفرحوا فنزلت:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [الأنبياء: 101] الخوَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } [الزخرف: 57] الخ، وجاء في روايات أخر ما يعضده فإن ظاهر ذلك أن (ما) هنا شامل للعقلاء وغيرهم.

وأجيب بأن الشمول للعقلاء الذي ادعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بطريق دلالة النص بجامع الشركة في المعبودية من دون الله تعالى فلما أشار صلى الله عليه وسلم إلى عموم الآية بطريق الدلالة اعترض ابن الزبعرى بما اعترض وتوهم أنه قد بلغ الغرض فتولى الله تعالى الجواب بنفسه بقوله عز وجل:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [الأنبياء:101] الآية، وحاصله تخصيص العموم المفهوم من دلالة النص بما سوى الصلحاء الذين سبقت لهم الحسنى فيبقى الشياطين الذين عبدوا من دون الله سبحانه داخلين في الحكم بحكم دلالة النص فيفيد النص بعد هذا التخصيص عبارة ودلالة حكم الأصنام والشياطين ويندفع الاعتراض.

السابقالتالي
2 3 4