الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ }

{ وَلِسُلَيْمَـٰنَ ٱلرّيحَ } أي وسخرنا له الريح، وجيء باللام هنا دون الأول للدلالة على ما بين التسخيرين من التفاوت فإن تسخير ما سخر له عليه السلام كان بطريق الانقياد الكلي له والامتثال بأمره ونهيه بخلاف تسخير الجبال والطير لداود عليه السلام فإنه كان بطريق التبعية والاقتداء به عليه السلام في عبادة الله عز وجل { عَاصِفَةً } حال من (الريح) والعامل فيها الفعل المقدر أي وسخرنا له الريح حال كونها شديدة الهبوب، ولا ينافي وصفها بذلك هنا وصفها في موضع آخر بأنها رخاء بمعنى طيبة لينة لأن الرخاء وصف لها باعتبار نفسها والعصف وصف لها باعتبار قطعها المسافة البعيدة في زمان يسير كالعاصفة في نفسها فهي مع كونها لينة تفعل فعل العاصفة. ويجوز أن يكون وصفها بكل من الوصفين بالنسبة إلى الوقت الذي يريده سليمان عليه السلام فيه، وقيل وصفها بالرخاء في الذهاب ووصفها بالعصف بالإياب على عادة البشر في الإسراع إلى الوطن فهي عاصفة في وقت رخاء في آخر.

وقرأ ابن هرمز وأبو بكر في رواية { ٱلرّيحَ } بالرفع مع الإفراد. وقرأ الحسن وأبو رجاء { الرياح } بالنصب والجمع وأبو حيوة بالرفع والجمع، ووجه النصب ظاهر، وأما الرفع فعلى أن المرفوع مبتدأ والخبر هو الظرف المقدم و { عَاصِفَةً } حال من ضمير المبتدأ في الخبر والعامل ما فيه من معنى الاستقرار.

{ تَجْرِى بِأَمْرِهِ } أي بمشيئته وعلى وفق إرادته وهو استعمال شائع، ويجوز أن يأمرها حقيقة ويخلق الله تعالى لها فهماً لأمره كما قيل في مجيء الشجرة للنبـي صلى الله عليه وسلم حين دعاها، والجملة إما حال ثانية أو بدل من الأولى على ما قيل وقد مر لك غير بعيد الكلام في إبدال الجملة من المفرد فتذكر أو حال من ضمير الأولى { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } وهي / الشام كما أخرج ابن عساكر عن السدي، وكان عليه السلام مسكنه فيها فالمراد أنها تجري بأمره إلى الشام رواحاً بعدما سارت به منها بكرة، ولشيوع كونه عليه السلام ساكناً في تلك الأرض لم يذكر جريانها بأمره منها واقتصر على ذكر جريانها إليها وهو أظهر في الامتنان، وقيل كان مسكنه اصطخر وكان عليه السلام يركب الريح منها فتجري بأمره إلى الشام. وقيل: يحتمل أن تكون الأرض أعم من الشام، ووصفها بالبركة لأنها عليه السلام إذا حل أرضاً أمر بقتل كفارها وإثبات الايمان فيها وبث العدل ولا بركة أعظم من ذلك، ويبعد أن المتبادر كون تلك الأرض مباركاً فيها قبل الوصول إليها وما ذكر يقتضي أن تكون مباركاً فيها من بعد. وأبعد جداً منذر بن سعيد بقوله إن الكلام قد تم عند قوله تعالى: { إِلَى ٱلأَرْضِ } و { ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } صفة للريح؛ وفي الآية تقديم وتأخير، والأصل ولسليمان الريح التي باركنا فيها عاصفة تجري بأمره بل لا يخفى أنه لا ينبغي أن يحمل كلام الله تعالى العزيز على مثل ذلك وكلام أدنى البلغاء يجل عنه.

السابقالتالي
2