الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْراً لَّلْمُتَّقِينَ }

نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } [الأنبياء: 7] إلى قوله سبحانه:وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } [الأنبياء: 9] وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاك أعدائهم، وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه، والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله:
إن الملك القرم وابن الهمام   وليث الكتيبة في المزدحم
ونقل الطيبـي أنه أدخل الواو على { ضِيَاء } وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظاً كقوله تعالى:إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [الأنفال: 49] وقال سيبويه: إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإذا قلت ومررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقيب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو، وأما قول القائل:
يا لهف زيابة للحارث الصا   بح فالغانم فالآيب
فإنما ذكر بالفاء وجاء لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل بمعنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب. وأبو الحسن يجيز المسألة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى، والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتاباً جامعاً بين كونه فارقاً بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكراً يتعظ به الناس ويتذكرون، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم.

وقيل: الفرقان النصر كما في قوله تعالى:يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [الأنفال: 41] وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس، والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء، والذكر بأحد المعاني المذكورة. وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفلق أخوان، وإلى الأول ذهب مجاهد وقتادة وهو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلٰهية لا سيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم:بَلْ قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ } [الأنبياء: 5].

وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك { ضِيَاء } بغير واو على أنه حال من { ٱلْفُرْقَانَ } وهذه القراءة تؤيد أيضاً التفسير الأول.