الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

وقوله تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } برهان على ما أنكر من خلودهم وفيه تأكيد لقوله سبحانه:وَمَا جَعَلْنَا } [الأنبياء: 34] الخ، والموت عند الشيخ الأشعري كيفية وجودية تضاد الحياة، وعند الإسفرايني وعزي للأكثرين أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل فيكون عدم تلك الحياة كما في العمى الطارىء على البصر لا مطلق العمى فلا يلزم كون عدم الحياة عن الجنين عند استعداده للحياة موتاً، وقيل عدم الحياة عما من شأنه الحياة مطلقاً فيلزم ذلك ولا ضير لقوله تعالى:كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة: 28] واستدل الأشعري على كونه وجودياً بقوله تعالى:ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَٰوةَ } [الملك: 2] فإن الخلق هو الإيجاد والإخراج من العدم وبأنه جائز والجائز لا بد له من فاعل والعدم لا يفعل.

وأجيب عن الأول بأنه يجوز أن يكون بمعنى التقدير وهو أعم من الإيجاد ولو سلم كونه بمعنى الإيجاد فيجوز أن يراد بخلق الموت إيجاد أسبابه أو يقدر المضاف وهو غير عزيز في الكلام، وعن الأستاذ أن المراد بالموت الآخرة والحياة الدنيا لما روي عن ابن عباس تفسيرهما بذلك، وعن الثاني بأن الفاعل قد يريد العدم كما يريد الحياة فالفاعل يعدم الحياة كما يعدم البصر مثلاً.

وقال اللقاني: الظاهر قاض بما عليه الأشعري والعدول عن الظاهر من غير داع غير مرضي عند العدول، وكلامه صريح في أنه عرض. وتوقف بعض العلماء القائلين بأنه وجودي في أنه جوهر أو عرض لما أن في بعض الأحاديث أنه معنى خلقه الله تعالى في كف ملك الموت، وفي بعضها أن الله تعالى خلقه على صورة كبش لا يمر بشيء يجد ريحه إلا مات، وجل عبارات العلماء أنه عرض يعقب الحياة أو فساد بنية الحيوان، والأول غير مانع والثاني رسم بالثمرة، وقريب منه ما قاله بعض الأفاضل: إنه تعطل القوى لانطفاء الحرارة الغريزية التي هي آلتها فإن كان ذلك لانطفاء الرطوبة الغريزية فهو الموت الطبيعي وإلا فهو الغير الطبيعي، والناس لا يعرفون من الموت إلا انقطاع تعلق الروح بالبدن التعلق المخصوص ومفارقتها إياه.

والمراد بالنفس النفس الحيوانية وهي مطلقاً أعم من النفس الإنسانية كما أن الحيوان مطلقاً أعم من الإنسان. والنفوس عند الفلاسفة ومن حذا حذوهم ثلاثة: النباتية والحيوانية والفلكية والنفس مقولة على الثلاثة بالاشتراك اللفظي على ما حكاه الإمام في «الملخص» عن المحققين، وبالاشتراك المعنوي على ما يقتضيه كلام الشيخ في «الشفاء»، وتحقيق ذلك في محله، وإرادة ما يشمل الجميع هنا مما لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقال بعضم: المراد بها النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفي خلود البشر، واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر أنواع الحيوان ولا يضر ذلك بالسوق بل هو أنفع فيه، ولا شك في موت كل من أفراد تلك الأنواع، نعم اختلف في أنه هل يصح إرادة عمومها بحيث تشمل نفس كل حي كالملك وغيره أم لا بناء على الاختلاف في موت / الملائكة عليهم السلام والحور العين فقال بعضهم: إن الكل يموتون ولو لحظة لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3