الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

وقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } اللذين هما آيتاهما ولذا لم يعد الفعل بياناً لبعض تلك الآيات التي هم عنها معرضون بطريق الالتفات الموجب لتأكيد الاعتناء بفحوى الكلام، ولما كان إيجاد الليل والنهار ليس على نمط إيجاد الحيوانات وإيجاد الرواسي لم يتحد اللفظ الدال على ذلك بل جيء بالجعل هناك وبالخلق هنا كذا قيل وهو كما ترى.

وقوله تعالى: { كُلٌّ } مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، واعتبره صاحب «الكشاف» مفرداً نكرة أي كل واحد من الشمس والقمر. واعترض بأنه قد صرح ابن هشام في «المغني» بأن المقدر إذا كان مفرداً يجب الإفراد في الضمير العائد على (كل) كما لو صرح به وهنا قد جمع فيجب على هذا اعتباره جمعاً معرفاً أي كلهم ومتى اعتبر كذلك وجب عند ابن هشام جمع العائد وإن كان لو ذكر لم يجب، ووجوب الإفراد في المسألة الأولى والجمع في الثانية للتنبيه على حال المحذوف. وأبو حيان يجوز الإفراد والجمع مطلقاً فيجوز هنا اعتبار المضاف إليه مفرداً نكرة مع جمع الضمير بعد كما فعل الزمخشري وهو من تعلم علو شأنه في العربية، وقوله سبحانه: { فِى فَلَكٍ } خبره، ووجه إفراده ظاهر لأن النكرة المقدرة للعموم البدلي لا الشمولي، ومن قدر جمعاً معرفاً قال: المراد به الجنس الكلي المؤل بالجمع نحو كساهم حلة بناءاً على أن المجموع ليس في فلك واحد.

وقوله عز وجل: { يَسْبَحُونَ } حال؛ ويجوز أن يكون الخبر و { فِى فَلَكٍ } حالاً أو متعلقاً به وجملة { كُلٌّ } الخ حال من (الشمس والقمر) والرابط الضمير دون واو بناء على جواز ذلك من غير قبح، ومن استقبحه جعلها مستأنفة وكان ضميرهما جمعاً اعتباراً للتكثير بتكاثر المطالع فيكون لهما نظراً إلى مفهومهما الوضعي أفراد خارجية بهذا الاعتبار لا حقيقة، ولهذا السبب يقال شموس وأقمار وإن لم يكن في الخارج إلا شمس واحد وقمر واحد والذي حسن ذلك هنا توافق الفواصل، وزعم بعضهم أنه غلب القمران لشرفهما على سائر الكواكب فجمع الضمير لذلك. وقيل: الضمير للنجوم وإن لم تذكر لدلالة ما ذكر عليها. / وقيل: الضمير للشمس والقمر والليل والنهار، وفيه أن الليل والنهار لا يحسن وصفهما بالسباحة وإن كانت مجازاً عن السير، واختيار ضمير العقلاء إما لأنهما عقلاء حقيقة كما ذهب إليه بعض المسلمين كالفلاسفة، وإما لأنهما عقلاء ادعاء وتنزيلاً حيث نسب إليهما السباحة وهي من صنائع العقلاء.

والفلك في الأصل كل شيء دائر ومنه فلكة المغزل والمراد به هنا على ما روي عن ابن عباس والسدي رضي الله تعالى عنهم السماء. وقال أكثر المفسرين: هو موج مكفوف تحت السماء يجري فيه الشمس والقمر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7