الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ قَالَ رَبّ ٱحْكُم بِٱلْحَقّ } حكاية لدعائه صلى الله عليه وسلم. وقرأ الأكثر { قُلْ } على صيغة الأمر. والحكم القضاء، والحق العدل أي رب اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضي لتعجيل العذاب والتشديد عليهم فهو دعاء بالتعجيل والتشديد وإلا فكل قضائه تعالى عدل وحق. وقد استجيب ذلك حيث عذبوا ببدر أي تعذيب.

وقرأ أبو جعفر { رَبّ } بالضم على أنه منادى مفرد كما قال صاحب «اللوامح»، وتعقبه بأن حذف حرف النداء من اسم الجنس شاذ بابه الشعر. وقال أبو حيان: إنه ليس بمنادى مفرد بل هو منادى مضاف إلى الياء حذف المضاف إليه وبني على الضم كقبل وبعد وذلك لغة حكاها سيبويه في المضاف إلى ياء المتكلم حال ندائه ولا شذوذ فيه. وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن { ربي } بياء ساكنة { أَحْكَمُ } على صيغة التفضيل أي أنفذ أو أعدل حكماً أو أعظم حكمة. فربـي أحكم مبتدأ وخبر. وقرأت فرقة { أَحْكَمُ } فعلاً ماضياً.

{ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } مبتدأ وخبر أي كثير الرحمة على عباده. وقوله سبحانه { ٱلْمُسْتَعَانُ } أي المطلوب منه العون خبر آخر للمبتدأ. وجوز كونه صفة للرحمن بناء على إجرائه مجرى العلم. وإضافة الرب فيما سبق إلى ضميره صلى الله عليه وسلم خاصة لما أن الدعاء من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام كما أن إضافته هٰهنا إلى ضمير الجمع المنتظم للمؤمنين أيضاً لما أن الاستعانة من الوظائف العامة لهم.

{ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } من الحال فإنهم كانوا يقولون: إن الشوكة تكون لهم وإن راية الإسلام تخفق ثم تسكن وإن المتوعد به لو كان حقاً لنزل بهم إلى غير ذلك مما لا خير فيه فاستجاب الله عز وجل دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فخيب آمالهم وغير أحوالهم ونصر أولياءه عليهم فأصابهم يوم بدر ما أصابهم. والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله. وروي أن النبـي عليه الصلاة والسلام قرأ على أبـي رضي الله تعالى عنه { يَصِفُونَ } بيان الغيبة ورويت عن ابن عامر وعاصم هذا وفي جعل خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يتعلق به، خاتمة لسورة الأنبياء طيب كما قال الطيبـي يتضوع منه مسك الختام.

ومن باب الإشارة في الآيات:وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرٰهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ } [الأنبياء: 51] قيل ذلك الرشد إيثار الحق جل شأنه على ما سواه سبحانه، وسئل الجنيد متى أتاه ذلك؟ فقال: حين لا متىقَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } [الأنبياء: 66] فيه إشارة إلى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة في عقله. وقال حمدون القصار: استعانة الخلق بالخلق كاستعانة المسجون بالمسجونقُلْنَا يٰنَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ }

السابقالتالي
2