الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }

{ وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ } بما ذكر وبأمثاله من الشرائع والأحكام وغير ذلك مما هو مناط لسعادة الدارين { إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } استثناء من أعم العلل أي وما أرسلناك بما ذكر لعلة من العلل إلا لترحم العالمين بإرسالك أو من أعم الأحوال أي وما أرسلناك في حال من الأحوال إلا حال كونك رحمة أو ذا رحمة أو راحماً لهم ببيان ما أرسلت به، والظاهر أن المراد بالعالمين ما يشمل الكفار، ووجه ذلك عليه أنه عليه الصلاة والسلام أرسل بما هو سبب لسعادة الدارين ومصحلة النشأتين إلا أن الكافر فوت على نفسه الانتفاع بذلك وأعرض لفساد استعداده عما هنالك، فلا يضر ذلك في كونه صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة بالنسبة إليه أيضاً كما لا يضر في كون العين العذبة مثلاً نافعة عدم انتفاع الكسلان بها لكسله وهذا ظاهر خلافاً لمن ناقش فيه.

وهل يراد بالعالمين ما يشمل الملائكة عليهم السلام أيضاً فيه خلاف مبني / على الخلاف في عموم بعثته صلى الله عليه وسلم لهم، فإذا قلنا بالعموم - كما رجحه من الشافعية البارزي وتقي الدين السبكي والجلال المحلي في «خصائصه»، ومن الحنابلة ابن تيمية وابن حامد وابن مفلح في كتاب «الفروع»، ومن المالكية عبد الحق - قلنا بشمول العالمين لهم هنا. وكونه صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة بالنسبة إليهم لأنه جاء عليه الصلاة والسلام أيضاً بما فيه تكليفهم من الأوامر والنواهي وإن لم نعلم ما هنا، ولا شك أن في امتثال المكلف ما كلف به نفعاً له وسعادة، وإن قلنا بعدم العموم كما جزم به الحليمي والبيهقي والجلال المحلى في «شرح جمع الجوامع» وزين الدين العراقي في «نكته على ابن الصلاح» من الشافعية ومحمود بن حمزة في كتابه «العجائب والغرائب» من الحنفية بل نقل البرهان النسفي والفخر الرازي في «تفسيريهما» الإجماع عليه، وإن لم يسلم قلنا بعدم شموله لهم هنا وإرادة من عداهم منه، وقيل: هم داخلون هنا في العموم وإن لم نقل ببعثته صلى الله عليه وسلم إليهم لأنهم وقفوا بواسطة إرساله عليه الصلاة والسلام على علوم جمة وأسرار عظيمة مما أودع في كتابه الذي فيه بناء ما كان وما يكون عبارة وإشارة وأي سعادة أعظم من التحلي بزينة العلم؟ وكونهم عليهم السلام لا يجعلون شيئاً مما لم يذهب إليه أحد من المسلمين، وقيل: لأنهم أظهر من فضلهم على لسانه الشريف ما أظهر. وقال بعضهم: إن الرحمة في حق الكفار أمنهم ببعثته صلى الله عليه وسلم من الخسف والمسخ والقذف والاستئصال، وأخرج ذلك الطبراني والبيهقي وجماعة عن ابن عباس، وذكر أنها في حق الملائكة عليهم السلام الأمن من نحو ما ابتلى به هاروت وماروت، وأيد بما ذكره صاحب «الشفا» أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام: هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال: نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله تعالى عليَّ في القرآن بقوله سبحانه

السابقالتالي
2 3