الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ }

{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ } الظاهر أنه زبور داود عليه السلام وروي ذلك عن الشعبـي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه الكتب، والذكر في قوله تعالى: { مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ } التوراة، وروي تفسيره بذلك عن الضحاك أيضاً، وقال في الزبور: الكتب من بعد التوراة. وأخرج عن ابن جبير أن الذكر التوراة والزبور والقرآن. وأخرج عن ابن زيد أن الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء عليهم السلام والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك وهو اللوح المحفوظ كما في بعض الآثار، واختار تفسيره بذلك الزجاج وإطلاق الذكر عليه مجاز. وقد وقع في حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: " كان الله تعالى ولم يكن قبله شيء وكان عرشه على الماء ثم خلق الله السمٰوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء " وقيل الذكر العلم وهو المراد بأم الكتاب، وأصل الزبور كل كتاب غليظ الكتابة من زبرت الكتاب أزبر بفتح الموحدة وضمها كما في «المحكم» إذا كتبته كتابة غليظة وخص في المشهور بالكتاب المنزل على داود عليه السلام، وقال بعضهم: هو اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأحكام الشرعية ولهذا يقال للمنزل على داود عليه السلام إذ لا يتضمن شيئاً من الأحكام الشرعية. والظاهر أنه اسم عربـي بمعنى المزبور، ولذا جوز تعلق { مِن بَعْدِ } به كما جوز تعلقه بكتبنا، وقال حمزة: هو اسم سرياني، وأياً ما كان فإذا أريد منه الكتب كان اللام فيه للجنس أي كتبنا في جنس الزبور.

{ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ } أخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وغيرهما عن ابن عباس أن المراد بالأرض أرض الجنة، قال الإمام: ويؤيده قوله تعالى:وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء } [الزمر: 74] وإنها الأرض التي يختص بها الصالحون لأنها لهم خلقت، وغيرهم إذا حصلوا فيها فعلى وجه التبع وأن / الآية ذكرت عقيب ذكر الإعادة وليس بعد الإعادة أرض يستقر بها الصالحون ويمتن بها عليهم سوى أرض الجنة، وروي هذا القول عن مجاهد وابن جبير وعكرمة والسدي وأبـي العالية، وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بها أرض الدنيا يرثها المؤمنون ويستولون عليها وهو قول الكلبـي وأيد بقوله تعالى:لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } [النور: 55]. وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " وهذا وعد منه تعالى بإظهار الدين وإعزاز أهله واستيلائهم على أكثر المعمورة التي يكثر تردد المسافرين إليها وإلا فمن الأرض ما لم يطأها المؤمنون كالأرض الشهيرة بالدنيا الجديدة وبالهند الغربـي، وإن قلنا بأن جميع ذلك يكون في حوزة المؤمنين أيام المهدي رضي الله تعالى عنه ونزول عيسى عليه السلام فلا حاجة إلى ما ذكر، وقيل: المراد بها الأرض المقدسة، وقيل: الشأم ولعل بقاء الكفار وحدهم في الأرض جميعها في آخر الزمان كما صحت به الأخبار لا يضر في هذه الوراثة لما أن بين استقلالهم في الأرض حينئذ وقيام الساعة زمناً يسيراً لا يعتد به وقد عد ذلك من المبادي القريبة ليوم القيامة، والأولى أن تفسر الأرض بأرض الجنة كما ذهب إليه الأكثرون وهو أوفق بالمقام.

السابقالتالي
2