الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي }

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَـٰرُونُ مِن قَبْلُ } مع ما بعد جملة قسمية مؤكدة لما سبق من الإنكار والتشنيع ببيان عتوهم واستعصائهم على الرسول إثر بيان مكابرتهم لقضية العقول أي وبالله لقد نصح لهم هارون ونبههم على كنه الأمر من قبل رجوع موسى عليه السلام إليهم وخطابه إياهم بما ذكر من المقالات، وإلى اعتبار المضاف إليه قبل ما ذكر ذهب الواحدي، وقيل: من قبل قول السامريهَـٰذَا إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ } [طه: 88] كأنه عليه السلام أول ما أبصره حين طلع من الحفيرة تفرس فيهم الافتتان فسارع إلى تحذيرهم، واختاره صاحب «الكشف» تبعاً لشيخه وقال: هو أبلغ وأدل على توبيخهم بالإعراض عن دليل العقل والسمع فيأَفَلاَ يَرَوْنَ } [طه: 89]. { وَلَقَدْ قَالْ } واختار بعضهم الأول وادعى أن الجواب يؤيده، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في ذلك. وجوز العلامة الطيبـي في هذه الجملة وجهين كونها معطوفة على قوله تعالى:أَفَلاَ يَرَوْنَ } [طه: 89] وقال: إن في إيثار المضارع فيه دلالة على استحضار تلك الحالة الفظيعة في ذهن السامع واستدعاء الإنكار عليهم، وكونها في موضع الحال من فاعليَرَوْنَ } [طه: 89] مقررة لجهة الإنكار أي أفلا يرون والحال أن هارون نبههم قبل ذلك على كنه الأمر وقال لهم: { يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } أي أوقعتم في الفتنة بالعجل أو أضللتم على توجيه القصر المستفاد من كلمة { إِنَّمَا } في أغلب استعمالاتها إلى نفس الفعل بالقياس إلى مقابله الذي يدعيه القوم لا إلى قيده المذكور بالقياس إلى قيد آخر على معنى إنما فعل بكم الفتنة لا الإرشاد إلى الحق لا على معنى إنما فتنتم بالعجل لا بغيره.

وقوله تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } بكسر همزة { إن } عطفاً على { إِنَّمَا } الخ إرشاد لهم إلى الحق إثر زجرهم عن الباطل. والتعرض لعنوان الربوبية والرحمة للاعتناء باستمالتهم إلى الحق، وفي ذلك تذكير لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل. وكذا على ما قيل تنبيه على أنهم متى تابوا قبلهم. وتعريف الطرفين لإفادة الحصر أي وإن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن لا غير. وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية { وأن ربكم } بفتح الهمزة، وخرج على أن المصدر المنسبك خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن ربكم الرحمن، والجملة معطوفة على ما مر، وقال أبو حاتم: التقدير ولأن ربكم الخ وجعل الجار والمجرور متعلقاً باتبعوني. وقرأت فرقة { أنما...وأن ربكم } بفتح الهمزتين، وخرج على لغة سليم / حيث يفتحون همزة إن بعد القول مطلقاً.

والفاء في قوله تعالى: { فَٱتَّبِعُونِى وَأَطِيعُواْ أَمْرِى } لترتيب ما بعدها على ما قبلها من مضمون الجملتين أي إذا كان الأمر كذلك فاتبعوني وأطيعوا أمري في الثبات على الدين. وقال ابن عطية: أي فاتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه، وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأموراً به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل: - ولا يخلو عن حسن - أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد ألوهيته وعبادته.