الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي }

{ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ } عند رجوعه المعهود أي بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى: { غضبانَ أَسِفاً } لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور كما إذا قلت: شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين فإن أحداً لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم إثر الدعاء وأن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفس الرجوع كذا في «ارشاد العقل السليم» وهو مما لا ينتطح فيه كبشان. والأسف الحزين كما روي عن ابن عباس وكأن حزنه عليه السلام من حيث إن ما وقع فيه قومه مما يترتب عليه العقوبة ولا يد له بدفعها. وقال غير واحد: هو شديد الغضب، وقال الجبائي متلهفاً على ما فاته متحيراً في أمر قومه يخشى أن لا يمكنه تداركه وهذا معنى للأسف غير مشهور.

{ قَالَ } استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعل بهم لما رجع إليهم؟ فقيل قال: { يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ } الهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده أي وعدكم { وَعْداً حَسَناً } لا سبيل لكم إلى إنكاره. والمراد بذلك إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور، وقيل: هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته. / وعن الحسن أن الوعد الحسن الجنة التي وعدها من تمسك بدينه، وقيل: هو أن يسمعهم جل وعلا كلامه عز شأنه ولعل الأول أولى، ونصب { وَعْداً } يحتمل أن يكون على أنه مفعول ثان وهو بمعنى الموعود ويحتمل أن يكون على المصدرية والمفعول الثاني محذوف.

والفاء في قوله تعالى: { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } للعطف على مقدر والهمزة لإنكار المعطوف ونفيه فقط، وجوز أن تكون الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والعطف على { لم يعدكم } لأنه بمعنى قد وعدكم، واختار جمع الأول وأل في العهد له، والمراد زمان الإنجاز، وقيل: زمان المفارقة أي أوعدكم سبحانه ذلك فطال زمان الإنجاز أو زمان المفارقة للإتيان به { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ } أي يجب { عَلَيْكُمْ غَضَبٌ } شديد لا يقادر قدره كائن { مّن رَّبّكُمْ } أي من مالك أمركم على الإطلاق. والمراد من إرادة ذلك فعل ما يكون مقتضياً له.

والفاء في قوله تعالى: { فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى } لترتيب ما بعدها على كل من الشقين، والموعد مصدر مضاف إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن إخلافهم للوعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم، والمعنى أفطال عليكم الزمان فنسيتم بسبب ذلك فأخلفتم وعدكم إياي بالثبات على ديني إلى أن أرجع من الميقات نسياناً أو تعمدتم فعل ما يكون سبباً لحلول غضب ربكم عليكم فأخلفتم وعدكم إياي بذلك عمداً، وحاصله أنسيتم فأخلفتم أو تعمدتم فأخلفتهم، ومنه يعلم التقابل بين الشقين.

السابقالتالي
2