الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }

{ كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } أي من لذائذه أو حلالاته على أن المراد بالطيب ما يستطيبه الطبع أو الشرع. وجوز أن يراد بالطيبات ما جمعت وصفي اللذة والحل، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكرهم وإتماماً للنعمة عليهم، وقرأ من ذكر آنفاً { رزقتكم } وقدم سبحانه نعمة الإنجاء من العدو لأنها من باب درء المضار وهو أهم من جلب المنافع ومن ذاق مرارة كيد الأعداء خذلهم الله تعالى ثم أنجاه الله تعالى وجعل كيدهم في نحورهم علم قدر هذه النعمة، نسأل الله تعالى أن يتم نعمه علينا وأن لا يجعل لعدو سبيلاً إلينا، وثنى جلا وعلا بالنعمة الدينية لأنها الأنف في وجه المنافع، وأخر عز وجل النعمة الدنيوية لكونها دون ذلك فتباً لمن يبيع الدين بالدنيا.

{ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } أي فيما رزقناكم بالإخلال بشكره وتعدي حدود الله تعالى فيه بالسرف والبطر والاستعانة به على معاصي الله تعالى ومنع الحقوق الواجبة فيه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي لا يظلم بعضكم بعضاً فيأخذه من صاحبه بغير حق، وقيل: أي لا تدخروا. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما { وَلاَ تطغوا } بضم الغين { فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى } جواب للنهي أي فيلزمكم غضبـي ويجب لكم من حل الدين يحل بكسر الحاء إذا وجب أداؤه وأصله من الحلول وهو في الأجسام ثم استعير لغيرها وشاع حتى صارت حقيقة فيه { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَىٰ } أي هلك / وأصله الوقوع من علو كالجبل ثم استعمل في الهلاك للزومه له، وقيل: أي وقع في الهاوية وإليه ذهب الزجاج. وفي بعض الآثار أن في جهنم قصراً يرمي الكافر من أعلاه فيهوى في جهنم أربعين خريفاً قبل أن يبلغ الصلصال فذلك قوله تعالى: { فَقَدْ هَوَىٰ } فيكون بمعناه الأصلي إذا أريد به فرد مخصوص منه لا بخصوصه. وقرأ الكسائي { فيحل } بضم الحاء { ومن يحلل } بضم اللام الأولى وهي قراءة قتادة وأبـي حيوة والأعمش وطلحة ووافق ابن عتبة في { يحلل } فضم، وفي «الإقناع» لأبـي علي الأهوازي قرأ ابن غزوان عن طلحة { لا يحلن عليكم } بنون مشددة وفتح اللام وكسر الحاء وهو من باب لا أرينك هنا، وفي كتاب «اللوامح» قرأ قتادة وعبد الله بن مسلم بن يسار وابن وثاب والأعمش { فيحل } بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال ففاعله ضمير الطغيان و { غَضَبِي } مفعوله، وجوز أن يكون هو الفاعل والمفعول محذوف أي العذاب أو نحوه، ومعنى يحل مضموم الحاء ينزل من حل بالبلد إذا نزل كما في «الكشاف». وفي «المصباح» حل العذاب يحل ويحل هذه وحدها بالكسر والضم والباقي بالكسر فقط، والغضب في البشر ثوران دم القلب عند إرادة الانتقام، وفي الحديث

السابقالتالي
2 3