الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ }

{ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ } أي تبعهم ومعه جنوده على أن أتبع بمعنى تبع وهو متعد إلى واحد والباء للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال، ويؤيد ذلك أنه قرأ الحسن وأبو عمرو في رواية فاتبعهم بتشديد التاء، وقرىء أيضاً { فأتبعهم فرعون وجنوده } ، وقيل: أتبع متعد إلى اثنين هنا كما في قوله تعالى:وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرّيَّتُهُم } [الطور: 21] والثاني مقدر أي فأتبعهم رؤساء دولته أو عقابه، وقيل: نفسه والجار والمجرور في موضع الحال أيضاً، وعن الأزهري أن المفعول الثاني جنوده والباء سيف خطيب أي أتبعهم فرعون جنوده وساقهم خلفهم فكان معهم يحثهم على اللحوق بهم، وجوز أن يكون المفعول الثاني جنوده والباء للتعدية فيكون قد تعدى الفعل إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بالحرف، وأياً ما كان فالفاء فصيحة معربة عن مضمر قد طوي ذكره ثقة بغاية ظهوره وإيذاناً بكمال مسارعة موسى عليه السلام إلى الامتثال بالأمر أي ففعل ما أمر به من الإسراء بعبادي وضرب الطريق لهم فأتبعهم فرعون بجنوده. وزعم بعضهم أن الإيحاء بالضرب كان بعد أن أتبعهم فرعون وترائى الجمعان، والظاهر الأول، روي أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل يريد القلزم وكانوا قد استعاروا من قوم فرعون الحلي والدواب لعيد يخرجون إليه وكانوا ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيفاً ليس فيهم ابن ستين ولا عشرين، وفي رواية أنهم خرجوا وهم ستمائة ألف وسبعون ألفاً وأخرجوا معهم جسد يوسف عليه السلام لأنه كان عهد إليهم ذلك ودلتهم عجوز على موضعه فقال لها موسى عليه السلام: احتكمي فقالت: أكون معك في الجنة فاتصل الخبر بفرعون فجمع جنوده وخرج بهم وكان في خيله سبعون ألف أدهم وكانت مقدمته فيما يحكى سبعمائة ألف فارس، وقيل: ألف ألف وخمسمائة ألف فقص أثرهم حتى ترائى الجمعان فعظم فزع بني إسرائيل فضرب عليه السلام بعصاه البحر فانفلق اثني عشر فرقاً كل فرق كالطود العظيم فدخلوا ووصل فرعون وجنوده إلى المدخل فرأوا البحر منفلقاً فاستعظموا الأمر فقال فرعون لهم: إنما انفلق من هيبتي فدخل على فرس حصان وبين يديه جبريل عليه السلام على فرس حجر وصاحت الملائكة عليهم السلام وكانوا ثلاثة وثلاثين ملكاً أن أدخلوا فدخلوا حتى إذا استكملوا دخولاً خرج موسى عليه السلام بمن معه من الأسباط سالمين ولم يخرج أحد من فرعون وجنوده.

{ فَغَشِيَهُمْ مّنَ ٱلْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ } أي علاهم منه وغمرهم ما غمرهم من الأمر الهائل الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه. / وقيل: غشيهم ما سمعت قصته وليس بذاك فإن مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لا سماع القصة، والظاهر أن ضميري الجمع لفرعون وجنوده، وقيل: لجنوده فقط للقرب ولأنه ألقي بالساحل ولم يتغط بالبحر كما أشير إليه بقوله تعالى:

السابقالتالي
2