الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى }

{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ } الخ بيان لإحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء إثر بيان شمول قدرته تعالى لجميع الكائنات، والخطاب على ما قاله في «البحر» للنبـي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته عليه الصلاة والسلام، وجوز أن يكون عاماً أي وإن ترفع صوتك أيها الإنسان بالقول { فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسّرَّ } أي ما أسررته إلى غيرك ولم ترفع صوتك به { وَأَخْفَى } أي وشيئاً أخفى منه وهو ما أخطرته ببالك من غير أن تتفوه به أصلاً، وروي ذلك عن الحسن وعكرمة أو ما أسررته في نفسك وما ستسره فيها وروي ذلك عن سعيد بن جبير. وروي عن السيدين الباقر والصادق السر ما أخفيته في نفسك والأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.

وقيل: { أَخْفَىٰ } فعل ماض عطف على { يَعْلَمْ } يعني أنه تعالى يعلم أسرار العباد وأخفى ما يعلمه سبحانه عنهم وهو كقوله تعالى:يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه: 110]، وروى ذلك أبو الشيخ في «العظمة» عن زيد بن أسلم وهو خلاف الظاهر جداً؛ فالمعول عليه أنه أفعل تفضيل والتنكير للمبالغة في الخفاء، والمتبادر من القول ما يشمل ذكر الله تعالى وغيره وإليه ذهب بعضهم، وخصه جماعة بذكره سبحانه ودعائه على أن التعريف للعهد لأن استواء الجهر والسر عنده سبحانه المدلول عليه في الكلام يقتضي أن الجهر المذكور في خطابه عز وجل، وعلى القولين قوله تعالى: { فَإِنَّهُ } الخ قائم مقام جواب الشرط وليس الجواب في الحقيقة لأن علمه تعالى السر وأخفى ثابت قبل الجهر بالقول وبعده وبدونه.

والأصل عند البعض وإن يجهر بالقول فاعلم أن الله تعالى يعلمه فإنه يعلم السر وأخفى فضلاً عنه. وعند الجماعة وإن تجهر فاعلم أن الله سبحانه غني عن جهرك فإنه الخ، وهذا على ما قيل إرشاد للعباد إلى التحري والاحتياط حين الجهر فإن من علم أن الله تعالى يعلم جهره لم يجهر بسوء، وخص الجهر بذلك لأن أكثر المحاورات ومخاطبات الناس به، وقيل: إرشاد للعباد إلى أن الجهر بذكر الله تعالى ودعائه ليس لإسماعه سبحانه بل لغرض آخر من تصوير النفس بالذكر وتثبيته فيها ومنعها من الاشتغال بغيره وقطع الوسوسة وغير ذلك، وقيل: نهى عن الجهر بالذكر والدعاء كقوله تعالى:وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [الأعراف: 205].

وأنت تعلم أن القول بأن الجهر بالذكر والدعاء منهي لا ينبغي أن يكون على إطلاقه. والذي نص عليه الإمام النووي في «فتاويه» أن الجهر بالذكر حيث لا محذور شرعياً مشروع مندوب إليه بل هو أفضل من الإخفاء في مذهب الإمام الشافعي وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وإحدى الروايتين عن الإمام مالك بنقل الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» وهو قول لقاضيخان في «فتاويه» في ترجمة مسائل كيفية القراءة وقوله في باب غسل الميت: ويكره رفع الصوت بالذكر، فالظاهر أنه لمن يمشي مع الجنازة كما هو مذهب الشافعية لا مطلقاً كما تفهمه عبارة «البحر الرائق» وغيره وهو قول الإمامين في تكبير عيد الفطر كالأضحى، ورواية عن الإمام أبـي حنيفة نفسه رضي الله تعالى عنه بل في «مسنده» ما ظاهره استحباب الجهر بالذكر مطلقاً، نعم قال / ابن نجيم في «البحر» نقلاً عن المحقق ابن الهمام في «فتح القدير» ما نصه قال أبو حنيفة: رفع الصوت بالذكر بدعة مخالفة للأمر من قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3