الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ }

{ وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ } أي عصاك كما وقع في سورة الأعراف [117] وكأن التعبير عنها بذلك لتذكيره ما وقع وشاهده عليه السلام منها يوم قال سبحانه له:وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 17]، وقال بعض المحققين: إنما أوثر الإبهام تهويلاً لأمرها وتفخيماً لشأنها وإيذاناً بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس مبهمة الكنه مستتبعة لآثار غريبة. وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في مواضع أخر لا يستدعي عدم مراعاتها عند وقوع المحكي انتهى. وحاصله أن الإبهام للتفخيم كأن العصا لفخامة شأنها لا يحيط بها نطاق العلم نحوفَغَشِيَهُمْ مّنَ ٱلْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ } [طه: 78] ووقع حكاية الأمر في مواضع أخر بالمعنى والواقع نفسه ما تضمن هذه النكتة وإن لم يكن بلفظ / عربـي وإنما لم يعتبر العكس لأن المتضمن أوفق بمقام النهي عن الخوف وتشجيعه عليه السلام. وقال أبو حيان: عبر بذلك دون عصاك لما في اليمين من معنى اليمن والبركة، وفيه أن الخطاب لم يكن بلفظ عربـي، وقيل: الإبهام للتحقير بأن يراد لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها وصغره وعظمها. وتعقب بأنه يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على الهيئة الأصلية وقد كان منها ما كان، وما يحتمل أن تكون موصوفة ويحتمل أن تكون موصولة على كل من الوجهين، وقيل: الأنسب على الأول الأول وعلى الثاني الثاني.

وقوله تعالى: { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } بالجزم جواب الأمر من لقفه ناله بالحذق باليد أو بالفم، والمراد هنا الثاني والتأنيث بكون ما عبارة عن العصا أي تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها، والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير. وقرأ الأكثرون { تلقف } بفتح اللام وتشديد القاف وإسقاط إحدى التاءين من تتلقف. وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه رفع الفعل على أن الجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً أو حال مقدرة من فاعل { ألق } بناءً على تسببه أو من مفعوله أي متلقفاً أو متلقفة؛ وجملة الأمر معطوفة على النهي متممة بما في حيزها لتعليل موجبه ببيان كيفية علوه وغلبه عليه السلام فإن ابتلاع عصاه عليه السلام لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه خيفة يقلع مادة الخوف بالكلية. وزعم بعضهم أن هذا صريح في أن خوفه عليه السلام لم يكن من مخالجة الشك للناس في معجزة العصا وإلا لعلل بما يزيله من الوعد بما يوجب إيمانهم وفيه تأمل.

وقوله تعالى: { إِنَّمَا صَنَعُواْ } الخ تعليل لقوله تعالى: { تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ } وما إما موصولة أو موصوفة أو مصدرية أي إن الذي صنعوه أو إن شيئاً صنعوه أو إن صنعهم { كَيْدُ سَاحر } بالرفع على أنه خبر إن أي كيد جنس الساحر، وتنكيره للتوسل به إلى ما يقتضيه المقام من تنكير المضاف ولو عرف لكان المضاف إليه معرفة وليس مراداً.

السابقالتالي
2