الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }

{ قَالَ } استئناف كما مر كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: { بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً إظهاراً لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافاً لما أوهموا من الميل إلى البدء في شقهم حيث غيروا النظم إلى وجه أبلغ إذ كان الظاهر أن يقولوا: وإما أن نلقى وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا جهدهم ويستنفدوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله تعالى شأنه سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه. قيل وفي ذلك أيضاً مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظناً منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعاً لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: افعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره. وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.

{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى:فَقُلْنَا ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَلَقَ } [البقرة: 60] أي فألقوا فإذا حبالهم الخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبـي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضاً وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار / أبـي حيان والعامل فيها هنا { أَلْقُوْاْ } عند أبـي البقاء. ورد بأن الفاء تمنع من العمل، وفي «البحر» إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو { حِبَـٰلَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ } إن لم يجعلها هي في موضع الخبر بل جعلنا الخبر جملة { يُخَيَّلُ } وإذا جعلناها في موضع الخبر وجعلنا الجملة في موضع الحال فالأمر واضح. وهذا نظير خرجت فإذا الأسد رابض ورابضاً. ولصحة وقوعها خبراً يكتفى بها وبالمرفوع بعدها كلاماً فيقال: خرجت فإذا الأسد. ونص الأخفش في «الأوسط» على أنها قد يليها جملة فعلية مصحوبة بقد فيقال: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمراً، وفي «الكشاف» التحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير الآية ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى، وفيه من المخالفة لما قدمنا ما فيه لكن أمر العطف عليه أوفق كما لا يخفى، وعنى بقوله: هذا تمثيل أنه تصوير للإعراب وأن إذا وقتية أوقع عليها فعل المفاجأة توسعاً لأنها سدت مسد الفعل والمفعول ولأن مفاجأة الوقت يتضمن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ، وما قيل: إنه أراد الاستعارة التمثيلية فيحتاج إلى تكلف لتحصيلها.

السابقالتالي
2