الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ }

{ قَالاَ } استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل: { قَالاَ } الخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السلام على القول بغيبة هارون عليه السلام للتغليب كما مر. ويجوز أن يكون هارون عليه السلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى:يا أَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ } [المؤمنون: 51] فإن هذا الخطاب قد حكي لنا بصيغة الجمع مع أن كلاً من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعاً { رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم للمورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل { يَفْرُطَ } على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فأضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.

وقرأ يحيـى وأبو نوفل وابن محيصن في رواية { يَفْرُطَ } بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب. وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن { يفرطَ } بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية. واستشكل هذا القول مع قوله تعالى:سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } [القصص: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة { سَنَشُدُّ } وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لا سيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الأداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السلام من قوله:رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } [البقرة: 260] ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء بحثاً.

واستشكل أيضاً حصول الخوف لموسى عليه السلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياهقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36]. وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق / إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.

السابقالتالي
2