الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى }

وقوله تعالى: { تَنْزِيلاً } كذلك أي نزل تنزيلاً، والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها. وقيل: لما تفيده الجملة الاستثنائية فإنها متضمنة لأن يقال: إنا أنزلناه للتذكرة والأول أنسب لما بعده من الالتفات. وقيل: منصوب على المدح والاختصاص. وقيل: بيخشى على المفعولية. واستبعدهما أبو حيان وعد / الثاني في غاية البعد لأنيَخْشَىٰ } [طه: 3] رأس آية فلا يناسب أن يكون { تنزيلاً } مفعوله. وتعقب أيضاً بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود. نعم قد تعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونحوه كما في قوله تعالى:يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [التوبة: 64]. وأنت تعلم أن المعنى على هذا الوجه إلا تذكرة لمن يخشى المنزل من قادر قاهر وهو مما لا خلل فيه، وأمر عدم المعهودية سهل. وقيل: هو بدل منتَذْكِرَةً } [طه: 3] بناء على أنها حال من الكاف أوٱلْقُرْءانَ } [طه: 2] كما نقل سابقاً وهو بدل اشتمال. وتعقبه أبو حيان بأن جعل المصدر حالاً لا ينقاس، ومع هذا فيه دغدغة لا تخفى، ولم يتجوز البدلية منها على تقدير أن تكون مفعولاً له لأنزلنا لفظاً أو معنى لأن البدل هو المقصود فيصير المعنى أنزلناه لأجل التنزيل وفي ذلك تعليل الشيء بنفسه إن كان الإنزال والتنزيل بمعنى بحسب الوضع أو بنوعه إن كان الإنزال عاماً والتنزيل مخصوصاً بالتدريجي وكلاهما لا يجوز وقرأ ابن عبلة { تنزيل } بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو تنزيل.

{ مّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَـٰوٰتِ ٱلْعُلَىٰ } متعلق بتنزيل. وجوز أن يكون متعلقاً بمضمر هو صفة له مؤكدة لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبة الإنزال إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى شأنه بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق وتقرير. واحتمال كون { أنزلنا } الخ حكاية لكلام جبرائيل والملائكة النازلين معه عليهم السلام بعيد غاية البعد. وتخصيص خلق الأرض والسمٰوات بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يؤذن به قوله تعالى:لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [البقرة: 255] الآية لأصالتهما واستتباعهما لما عداهما، وقيل: المراد بهما ما في جهة السفل وما في جهة العلو، وتقديم خلق الأرض قيل لأنه مقدم في الوجود على خلق السمٰوات السبع كما هو ظاهر آية حم السجدةأَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } [فصلت: 9] الآية. وكذا ظاهر آية البقرة [29]هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ } الآية ونقل الواحدي عن مقاتل أن خلق السمٰوات مقدم، واختاره كثير من المحققين لتقديم السمٰوات على الأرض في معظم الآيات التي ذكرا فيها واقتضاء الحكمة تقديم خلق الأشرف والسماء أشرف من الأرض ذاتاً وصفة مع ظاهر ءاية النازعات [27]

السابقالتالي
2