الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ }

{ فَأَلْقَيـٰهَا } ريثما قيل له ألقها { فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } تمشي وتنتقل بسرعة، والحية اسم جنس ينطلق على الصغير والكبير والأنثى والذكر، وقد انقلبت حين ألقاها عليه السلام ثعباناً وهو العظيم من الحيات كما يفصح عنه قوله تعالى:فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 107] وتشبيهها بالجان وهو الدقيق منها في قوله سبحانه:فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } [النمل: 10] من حيث الجلادة وسرعة الحركة لا من حيث صغر الجثة فلا منافاة، وقيل: إنها انقلبت حين ألقاها عليه السلام حية صفراء في غلظ العصا ثم انتفخت وغلظت فلذلك شبهت بالجان تارة وسميت ثعباناً أخرى، وعبر عنها بالاسم العام للحالين، والأول هو الأليق بالمقام مع ظهور اقتضاء الآية التي ذكرناها له وبعدها عن التأويل. وقد روى الإمام أحمد وغيره عن وهب أنه عليه السلام حانت منه نظرة بعد أن ألقاها فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يرى يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلتقمها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان ناراً وقد عاد المحجن عرفا فيه شعر مثل النيازك وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع فيه أضراس وأنياب لها صريف. وفي بعض الآثار أن بين لحييه أربعين ذراعاً فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولىٰ مدبراً ولم يعقب فذهب حتى أمعن ورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه سبحانه فوقف استحياء منه عز وجل ثم نودي يا موسى إلي ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف فأمره سبحانه وتعالى بأخذها وهو ما قص الله تعالى بقوله عز قائلاً: { قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا... }.