الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِذِكْرِيۤ }

{ إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ } بدل منمَا يُوحَىٰ } [طه: 13] ولا ريب في أن اختياره عليه السلام ليس لهذا فقط والتعلق باخترناك كيفما كان يقتضيه. وأجيب بأنه من باب التنصيص على ما هو الأهم والأصل الأصيل، وقيل: هي سيف خطيب فلا متعلق لها كما فِىرَدِفَ لكم } [النمل: 72] وما موصولة. وجوز أن تكون مصدرية أي فاستمع للذي يوحى إليك أو للوحي، وفي أمره عليه السلام بالاستماع إشارة إلى عظم ذلك وأنه يقتضي التأهب له، قال أبو الفضل الجوهري: لما قيل لموسى عليه السلام استمع لما / يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره وأصغى بشراشره. وقال وهب: أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل وذلك هو الاستماع لما يحب الله تعالى، وحذف الفاعل فييُوحَى } [طه: 13] للعلم به ويحسنه كونه فاصلة فإنه لو كان مبنياً للفاعل لم يكن فاصلة.

والفاء في قوله تعالى: { فَٱعْبُدْنِى } لترتيب المأمور به على ما قبلها فإن اختصاص الألوهية به تعالى شأنه من موجبات تخصيص العبادة به عز وجل، والمراد بها غاية التذلل والانقياد له تعالى في جميع ما يكلفه به، وقيل: المراد بها هنا التوحيد كما في قوله سبحانه:وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56] والأول أولى { وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر مع اندراجها في الأمر بالعبادة لفضلها وإنافتها على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره، وقد سماها الله تعالى إيماناً في قوله سبحانه:وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } [البقرة: 143]. واختلف العلماء في كفر تاركها كسلاً كما فصل في محله.

وقوله تعالى: { لِذِكْرِي } الظاهر أنه متعلق بأقم أي أقم الصلاة لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار، وروي ذلك عن مجاهد، وقريب منه ما قيل أي لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به، وفرق بينهما بأن المراد بالإقامة على الأول تعديل الأركان، وعلى الثاني الإدامة وجعلت الصلاة في الأول مكاناً للذكر ومقره وعلته، وعلى الثاني جعلت إقامة الصلاة أي إدامتها علة لإدامة الذكر كأنه قيل أدم الصلاة لتستعين بها على استغراق فكرك وهمك في الذكر كقوله تعالى:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [البقرة: 45]. وجوز أن يكون متعلقاً باعبدني أو بأقم على أنه من باب الإعمال أي لتكون ذاكراً لي بالعبادة وإقامة الصلاة، وإذا عمم الذكر ليتناول القلبـي والقالبـي جاز اعتبار باب الإعمال في الأول أيضاً وهو خلاف الظاهر. وقيل: المراد أقم الصلاة لذكري خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي ولا تقصد بها غرضاً آخر كقوله تعالى:

السابقالتالي
2