الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ }

{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أي إذا كان الأمر على ما ذكر من أن / تأخير عذابهم ليس بإهمال بل إمهال وأنه لازم لهم البتة فاصبر على ما يقولون من كلمات الكفر فإن علمه صلى الله عليه وسلم بأنهم معذبون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، والمراد به عدم الاضطراب لا ترك القتال حتى تكون الآية منسوخة { وَسَبّحْ } ملتبساً { بِحَمْدِ رَبّكَ } أي صل وأنت حامد لربك عز وجل الذي يبلغك إلى كمالك على هدايته وتوفيقه سبحانه { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } أي صلاة الفجر { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } أي صلاة المغرب، والظاهر أن الظرف متعلق بسبح. وقد أخرج تفسير التسبيح في هذين الوقتين بما ذكر الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن جرير مرفوعاً إلى النبـي صلى الله عليه وسلم. وأخرج الحاكم عن فضالة بن وهب الليثي أن النبـي عليه الصلاة والسلام قال له: " حافظ على العصرين قلت: وما العصران؟ قال: صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " ، وقيل: المراد بالتسبيح قبل غروبها صلاتا الظهر والعصر لأن وقت كل منهما قبل غروبها وبعد زوالها وجمعهما لمناسبة قوله تعالى: { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } ، وأنت تعلم أن قبل الغروب وإن كان باعتبار معناه اللغوي صادقاً على وقت الظهر ووقت العصر إلا أن الاستعمال الشائع فيه وقت العصر.

وقوله تعالى: { وَمِنْ ءانَاء ٱلَّيْلَ } أي من ساعاته جمع إني وإنو بالياء والواو وكسر الهمزة وإنا بالكسر والقصر و أناء بالفتح والمد ولم يشتهر اشتهار الثلاثة الأول، وذكره من يوثق به من المفسرين، وقال الراغب في «مفرداته»: قال الله تعالى:غَيْرَ نَـٰظِرِينَ إِنَـٰهُ } [الأحزاب: 53] أي وقته، والإناه إذا كسر أوله قصر وإذا فتح مد نحو قول الحطيئة:
وآنيت العشاء إلى سهيل   أو الشعرى فطال بـي الأناء
ثم قال: ويقال ءانيت الشيء إيناء أي أخرته عن أوانه وتأنيت تأخرت اهـ، وفي «المصباح» آنيته بالفتح والمد أخرته، والاسم إناء بوزن سلام قيل منصوب على الظرفية بمضمر، وقوله سبحانه { فَسَبّحْ } عطف عليه أي قم بعض آناء الليل فسبح وهو كما ترى، وقيل: منصوب بسبح على نسقوَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ } [البقرة: 40]، والفاء على الأول عاطفة وعلى الثاني مفسرة، وقيل: إنه معمول { فَسَبّحْ } ، والفاء زائدة فائدتها الدلالة على لزوم ما بعدها لما قبلها. وذكر الخفاجي أنه معمول لما ذكر من غير حاجة لدعوى زيادة الفاء لأنها لا تمنع عمل ما بعدها فيما قبلها كما صرح به النحاة، والمراد من التسبيح في بعض آناء الليل صلاة المغرب وصلاة العشاء وللاعتناء بشأنهما لم يكتف في الأمر بفعلهما بالفعل السابق بأن يعطف { مِنْ ءانَاء ٱلَّيْلِ } على أحد الظرفين السابقين من غير ذكر فسبح وللاهتمام بشأن ءاناء الليل وامتيازها على سائر الأوقات بأمور خاصية وعامية قدم ذكرها على الأمر ولم يسلك بها مسلك ما تقدم.

السابقالتالي
2 3