الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }

{ فَأَكَلاَ } أي هو وزوجته { مِنْهَا } أي من الشجرة التي سماها اللعين شجرة الخلد { فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا } قال ابن عباس رضي الله عنهما: عريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما حتى بدت فروجهما، وفي رواية أخرى عنه أنه كان لباسهما الظفر فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع والله تعالى أعلم بصحة ذلك، ثم إن ما ذكر يحتمل أن يكون عقوبة للأكل ويحتمل أن يكون مرتباً عليه لمصلحة أخرى { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } قد مر تفسيره.

{ وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ } بما ذكر من أكل الشجرة { فَغَوَىٰ } ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المطلوب منه وهو ترك الأكل من الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو، وقيل: غوى أي فسد عليه عيشه، ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع. وقرىء { فَغَوَىٰ } بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوى الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري فقال وهذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفاً فيقول في فني وبقي فنا وبقا بالألف وهم بنو طيىء تفسير خبيث.

وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمداً من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه المحققون والأئمة المتقنون من وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه، ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج فإنهم عليهم ما يستحقون جوزوا الكفر عليهم وحاشاهم فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كما قال به جمع وقال الإمام: إنه مذهبنا فإن كان تعمداً أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمداً قبل البعثة أيضاً. نعم لا إشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلاً ولا سمعاً أن يصدر من النبـي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقاً بل لا يمتنع عقلاً إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في «أبكار الأفكار» أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهواً كما يدل عليه قوله تعالى:فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] بناء على أحد القولين فيه أشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهواً قبل البعثة أيضاً، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبـي بكر، وإن كان بعد البعثة سهواً أشكل أيضاً عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في «المواقف» إن الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهواً وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في «شرح العقائد» صدورها منهم عليهم السلام عمداً بعد البعثة عند الجمهور خلافاً للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهواً بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه.

السابقالتالي
2