الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً }

{ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ } منصوب بإضمار اذكر، وجوز أن يكون ظرفاً المضمر حذف للإيذان بضيق العبارة عن حصره وبيانه أو بدلاً منيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [طه: 101] أو بياناً له أو ظرفاً لـِيتخافتون } [طه: 103]، وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد { ننفخ } بنون العظمة على إسناد الفعل إلى الآمر به وهو الله سبحانه تعظيماً للنفخ لأن ما يصدر من العظيم عظيم أو للنافخ بجعل فعله بمنزلة فعله تعالى وهو إنما يقال لمن له مزيد اختصاص وقرب مرتبة، وقيل: إنه يجوز أن يكون لليوم الواقع هو فيه. وقرىء { ينفخ } بالياء المفتوحة على أن ضميره لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام وإن لم يجر ذكره لشهرته؛ وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة { فِى ٱلصورِ } بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة كغرفة وغرف، والمراد به الجسم المصور. وأورد أن النفخ يتكرر لقوله تعالى:ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } [الزمر: 68] والنفخ في الصورة إحياء والإحياء غير متكرر بعد الموت وما في القبر ليس بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق. وأجيب بأنه لا نسلم أن كل نفخ إحياء، وبعضهم فسر الصور على القراءة المشهورة بذلك أيضاً، والحق تفسيره بالقرن الذي ينفخ فيه.

{ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ } أي يوم إذ ينفخ في الصور، وذكر ذلك صريحاً مع تعين أن الحشر لا يكون إلا يومئذ للتهويل، وقرأ الحسن { يحشر } بالياء والبناء للمفعول و { ٱلْمُجْرِمُونَ } بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرىء أيضاً { يحشر } بالياء والبناء للفاعل وهو ضميره عز وجل أي ويحشر الله تعالى المجرمين { زُرْقاً } حال كونهم زرق الأبدان وذلك غاية في التشويه ولا تزرق الأبدان إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما زرق العيون فهو وصف للشيء بصفة جزئه كما يقال غلام أكحل وأحول والكحل والحول من صفات العين، ولعله مجاز مشهور، وجوز أن يكون حقيقة كرجل أعمى وإنما جعلوا كذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب فإن الروم الذين كانوا أشد أعدائهم عداوة زرق، ولذلك قالوا في وصف العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، وقال الشاعر:
وما كنت أخشى أن تكون وفاته   بكفي سبنتي أزرق العين مطرق
وكانوا يهجون بالزرقة كما في قوله:
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر   الاكل ضبـي من اللؤم أزرق
وسئل ابن عباس عن الجمع بين { زُرْقاً } على ما روي عنه وعُمْياً } [الإسراء: 97] في آية أخرى فقال: ليوم القيامة حالات / فحالة يكونون فيها عمياً وحالة يكونون فيها زرقاً. وعن الفراء المراد من { زُرْقاً } عمياً لأن العين إذا ذهب نورها ازرق ناظرها، ووجه الجمع عليه ظاهر، وعن الأزهري المراد عطاشاً لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق، وقيل: يجعله أبيض، وجاء الأزرق بمعنى الأبيض ومنه سنان أزرق، وقوله:
فلما وردنا الماء زرقاً جمامه   
ويلائم تفسيره بعطاشاً قوله تعالى على ما سمعتونَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [مريم: 86].