الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ } رد لدعوى أخرى لهم بعد رد دعوى ـ الإيمان بما أنزل عليهم ـ ولاختلاف الغرض لم يعطف أحدهما على الآخر مع ظهور المناسبة المصححة للذكر، والآية نزلت ـ فيما حكاه ابن الجوزي ـ عندما قالت اليهود: إن الله تعالى لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه. وقال أبو العالية والربيع: سبب نزولها قولهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ } [البقرة: 111] الخ ونَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ } [المائدة: 18] الخ ولَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ } [البقرة: 80] الخ، وروي مثله عن قتادة. والضمير في { قُلْ } إما للنبـي صلى الله عليه وسلم أو لمن يبغي إقامة الحجة عليهم، والمراد من (الدار الآخرة) الجنة ـ وهو الشائع ـ واستحسن في «البحر» تقدير مضاف أي: نعيم الدار الآخرة.

{ عَندَ ٱللَّهِ } أي في حكمه، وقيل: المراد ـ بالعندية ـ المكانة والمرتبة والشرف، وحملها ـ على عندية المكان ـ كما قيل به ـ احتمالاً ـ بعيد { خَالِصَةً مّن دُونِ ٱلنَّاسِ } أي مخصوصة بكم كما تزعمون ـ والخالص ـ الذي لا يشوبه شيء، أو ما زال عنه شوبه، ونصب (خالصة) على الحال من الدار الذي هو اسم (كان) و (لكم) خبرها قدم للاهتمام ـ أو لإفادة الحصر ـ وما بعده للتأكيد، هذا إن جوّز مجىء الحال من اسم (كان) وهو الأصح، ومن لم يجوّز بناءً على أنه ليس بفاعل جعلها حالاً من الضمير المستكن في الخبر، وقيل: (خالصة) هو الخبر و (لكم) ظرف لغو لكان أو لخالصة ولا يخفى بعده ـ فإنه تقييد للحكم قبل مجيئه ـ ولا وجه لتقديم متعلق الخبر على الاسم مع لزوم توسط الظرف بين الاسم والخبر، وأبعد المهدوي وابن عطية أيضاً فجعلا (خالصة) حالاً و (عند الله) هو الخبر، مع أن الكلام لا يستقل به وحده. و (دون) هنا للاختصاص وقطع الشركة، يقال: هذا لي دونك، وأنت تريد لا حق لك فيه معي ولا نصيب، وهو متعلق بخالصة والمراد بالناس الجنس وهو الظاهر، وقيل: المراد بهم النبـي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وقيل: النبـي صلى الله عليه وسلم وحده ـ قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ قالوا: ويطلق الناس ويراد به الرجل الواحد، ولعله لا يكون إلا مجازاً بتنزيل الواحد منزلة الجماعة.

{ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَـٰدِقِينَ } في أن الجنة خالصة لكم، فإن من أيقن أنه من أهل الجنة اختار أن ينتقل إلى دار القرار، وأحب أن يخلص من المقام في دار الأكدار، كما روي عن عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له الحسن: / ما هذا بزي المحاربين، فقال: يا بني ـ لا يبالي أبوك سقط على الموت، أم سقط عليه الموت ـ وكان عبد الله بن رواحة ينشد وهو يقاتل الروم:

السابقالتالي
2