الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } أي قلنا لهم خذوا ما أمرتكم به في التوراة بجد وعدم فتور { وَٱسْمَعُواْ } ـ أي سماع تقبل وطاعة إذ لا فائدة في الأمر بالمطلق بعد الأمر بالأخذ بقوة بخلافه على تقدير التقييد فإنه يؤكده ويقرره لاقتضائه كمال إبائهم عن قبول ما آتاهم إياه ولذا رفع الجبل عليهم، وكثيراً ما يراد من السماع القبول ومن ذلك " سمع الله لمن حمده " وقوله:
دعوت الله حتى خفت أن لا   يكون الله (يسمع) ما أقول
{ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } أي سمعنا قولك: (خذوا واسمعوا) وعصينا أمرك فلا نأخذ ولا نسمع سماع الطاعة، وليس هذا جواباً لـ (اسمعوا) باعتبار تضمنه أمرين لأنه يبقى (خذوا) بلا جواب، وذهب الجم إلى ذلك وأوردوا هنا سؤالاً وجواباً، حاصل الأول أن السماع في الأمر إن كان على ظاهره فقولهم سمعنا طاعة وعصينا مناقض/ وإن كان القبول فإن كان في الجواب كذلك كذب وتناقض وإلا لم يكن له تعلق بالسؤال، وزبدة الجواب أن السماع هناك مقيد والأمر مشتمل على أمرين سماع قوله وقبوله بالعمل فقالوا: نمتثل أحدهما دون الآخر، ومرجعه إلى القول بالموجب، ونظيرهيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } [التوبة: 61] وقيل: المعنى قالوا بلسان القال سمعنا وبلسان الحال عصينا، أو سمعنا أحكاماً قبل وعصينا فنخاف أن نعصي بعد سماع قولك هذا، وقيل: (سمعنا) جواب (اسمعوا) و (عصينا) جواب (خذوا) وقال أبو منصور: إن قولهم (عصينا) ليس على أثر قولهم: (سمعنا) بل بعد زمان كما في قوله تعالى:ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } [البقرة: 64] فلا حاجة إلى الدفع بما ذكر، وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى جميع ذلك بعدما سمعت كما لا يخفى.

{ وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } عطف على { قَالُواْ } أو مستأنف أو حال بتقدير قد أو بدونه. والعامل (قالوا) و ـ الإشراب ـ مخالطة المائع الجامد، وتوسع فيه حتى صار في اللونين، ومنه بياض مشرب بحمرة، والكلام على حذف مضاف أي حب العجل، وجوز أن يكون العجل مجازاً عن صورته فلا يحتاج إلى الحذف، وذكر ـ القلوب ـ لبيان مكان الإشراب، وذكر المحل المتعين يفيد مبالغة في الإثبات؛ والمعنى داخلهم حب العجل ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شغفهم به كما داخل الصبغ الثوب وأنشدوا:
إذا ما القلب (أشرب) حب شيء   فلا تأمل له عنه انصرافاً
وقيل: ـ أشربوا ـ من أشربت البعير إذا شددت في عنقه حبلاً كأن العجل شد في قلوبهم لشغفهم به؛ وقيل: من الشراب ومن عادتهم أنهم إذا عبروا عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ منساغ في البدن، ولذا قال الأطباء: الماء مطية الأغذية والأدوية ومركبها الذي تسافر به إلى أقطار البدن، وقال الشاعر:

السابقالتالي
2