الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } ظرف لقالوا والجملة عطف علىقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [البقرة: 88] ولا غرض يتعلق بالقائل، فلذا بني الفعل لما لم يسم فاعله، والظاهر أنه من جانب المؤمنين. { آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } الجمهور على أنه القرآن، وقيل: سائر ما أنزل من الكتب الإلۤهية إجراء لما على العموم ومع هذا: جُلّ الغرض الأمر بالإيمان بالقرآن لكن سلك مسلك التعميم منه إشعاراً بتحتم الامتثال من حيث مشاركته لما آمنوا به فيما في حيز الصلة وموافقته له في المضمون، وتنبيهاً على أن الإيمان بما عداه من غير إيمان به ليس إيماناً بما أنزل الله.

{ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا } أي نستمر على الإيمان بالتوراة وما في حكمها مما أنزل لتقرير حكمها، وحذف الفاعل للعلم به إذ من المعلوم أنه لا ينزل الكتب إلا هو سبحانه، ولجريان ذكره في الخطاب ومرادهم بضمير المتكلم إما أنبياء بني إسرائيل ـ وهو الظاهر ـ وفيه إيماء إلى أن عدم إيمانهم بالقرآن كان بغياً وحسداً على نزوله على من ليس منهم ـ وإما أنفسهم ـ ومعنى الإنزال عليهم تكليفهم بما في المنزل من الأحكام، وذموا على هذه المقالة لما فيها من التعريض بشأن القرآن ـ ودسائس اليهود مشهورة ـ أو لأنهم تأولوا الأمر المطلق العام ونزلوه على خاص هو الإيمان بما أنزل عليهم كما هو ديدنهم في تأويل الكتاب بغير المراد منه.

{ وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ } عطف على { قَالُواْ }؛ والتعبير بالمضارع لحكاية الحال استغراباً للكفر بالشيء بعد العلم بحقيته أو للتنبيه على أن كفرهم مستمر إلى زمن الإخبار، وقيل: استئناف ـ وعليه ابن الأنباري ـ ويجوز أن يكون حالاً إما على مذهب من يجوز وقوع المضارع المثبت حالاً مع الواو، وإما على تقدير مبتدأ أي وهم/ يكفرون، والتقييد بالحال حينئذٍ لإفادة بيان شناعة حالهم بأنهم متناقضوا في إيمانهم لأن كفرهم بما وراءه حال الإيمان بالتوراة يستلزم عدم الإيمان به ـ وهذا أدخل في رد مقالتهم ـ ولهذا اختار هذا الوجه بعض الوجوه، ـ ووراء ـ في الأصل مصدر لاشتقاق المواراة والتواري منه، والمزيد فرع المجرد إلا أنه لم يستعمل فعله المجرد أصلاً ثم جعل ظرف مكان ويضاف إلى الفاعل فيراد به المفعول وإلى المفعول فيراد به الفاعل أعني الساتر، ولصدقه على الضدين ـ الخلف، والأمام ـ عد من الأضداد وليس موضوعاً لهما، وفي «الموازنة» للأموي تصريح بأنه ليس منها وإنما هو من المواراة والاستتار فما استتر عنك فهو وراء ـ خلفاً كان أو قداماً ـ إذا لم تره فأما إذا رأيته فلا يكون وراءك. والمراد هنا بما بعده قاله قتادة ـ أو بما سواه ـ وبه فسر

السابقالتالي
2 3