الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ } نزلت ـ كما في «البحر» ـ في بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير من اليهود، كان بنو قينقاع أعداء بني قريظة، وكانت الأوس حلفاء بني قينقاع، والخزرج حلفاء بني قريظة، والنضير والأوس والخزرج إخوان؛ وبنو قريظة والنضير إخوان ـ ثم افترقوا ـ فصارت بنو النضير حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فكانوا يقتتلون ويقع منهم ما قص الله تعالى فعيرهم الله تعالى بذلك. و { ثُمَّ } للاستبعاد في الوقوع ـ لا للتراخي في الزمان ـ لأنه الواقع في نفس الأمر ـ كما قيل به ـ و (أنتم) مبتدأ، و (هؤلاء) خبره على معنى أنتم بعد ذلك المذكور من الميثاق والإقرار والشهادة هؤلاء الناقضون، كقولك: أنت: ذلك الرجل الذي فعل كذا، وكان مقتضى الظاهر، ثم أنتم بعد ذلك التوكيد في الميثاق نقضتم العهد فتقتلون أنفسكم الخ أي صفتكم الآن غير الصفة التي كنتم عليها، لكن أدخل (هؤلاء) وأوقع خبراً ليفيد أن الذي تغير هو الذات نفسها نعياً عليهم لشدة وكادت الميثاق ثم تساهلهم فيه وتغيير الذات فهم من وضع اسم الإشارة الموضوع للذات موضع الصفة لا من جعل ذات واحد في خطاب واحد مخاطباً وغائباً، وإلا لفهم ذلك من نحوبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [النمل: 55] أيضاً. وصح الحمل مع اعتبار التغير لأنه ادعائي ـ وفي الحقيقة واحد ـ وعدوا حضوراً مشاهدين باعتبار تعلق العلم بما أسند إليهم من الأفعال المذكورة سابقاً وغيباً باعتبار عدم تعلق العلم بهم لما سيحكى عنهم من الأفعال بعد، لا لأن المعاصي توجب الغيبة عن غير الحضور إذ المناسب حينئذ الغيبة في (تقتلون) و(تخرجون) قاله السيالكوتي.

و (تقتلون) إما حال والعامل فيه معنى الإشارة أو بيان كأنه لما قيل: { ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } قالوا كيف نحن/ فجيء بـ { تَقْتُلُونَ } تفسيراً له، ويحتمل أن تجعل مفسرة لها من غير تقدير سؤال، وذهب ابن كيسان وغيره إلى أن { أَنتُمْ } مبتدأ و { تَقْتُلُونَ } الخبر و { هَـؤُلاء } تخصيص للمخاطبين لما نبهوا على الحال التي هم عليها مقيمون فيكون إذ ذاك منصوباً بأعنى وفيه أن النحاة نصوا على أن التخصيص لا يكون بأسماء الإشارة ولا بالنكرة والمستقر من لسان العرب أنه يكون بأيتها كاللهم اغفر لنا أيتها العصابة وبالمعرف ـ باللام ـ كنحن العرب أقرى الناس للضيف ـ أو الإضافة كـ " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " ـ وقد يكون بالعلم ـ كـ:
بنا تميما نكشف الضبابا   
وأكثر ما يأتي بعد ضمير متكلم ـ وقد يجيء بعد ضمير المخاطب ـ كبك الله نرجو الفضل، وقيل: (هؤلاء) تأكيد لغوي (لأنتم) فهو إما بدل منه أو عطف بيان عليه وجعله من التأكيد اللفظي بالمرادف توهم، والكلام على هذا خال عن تلك النكتة، وقيل: هؤلاء بمعنى الذين والجملة صلته والمجموع هو الخبر، وهذا مبني على مذهب الكوفيين حيث جوزوا كون جميع أسماء الإشارة موصولة سواء كانت بعد (ما) أولا والبصريون يخصونه إذا وقعت بعد (ما) الاستفهامية ـ وهو المصحح ـ على أن الكلام يصير حينئذ من قبيل:

السابقالتالي
2 3 4 5 6