الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } شروع في تعداد بعض آخر من قبائح أسلاف اليهود مما ينادي باستبعاد إيمان أخلافهم، وقيل: إنه نوع آخر من النعم التي خصهم الله تعالى بها، وذلك لأن التكليف بهذه الأشياء موصل إلى أعظم النعم ـ وهو الجنة ـ والموصل إلى النعمة نعمة، وهذا ـ الميثاق ـ ما أخذ عليهم على لسان موسى وغيره من أنبيائهم عليهم السلام، أو ميثاق أخذ عليهم في التوراة، وقول مكي: إنه ميثاق أخذه الله تعالى عليهم وهم في أصلاب آبائهم كالذر لا يظهرهم وجهه هنا.

{ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } على إرادة القول أي قلنا أو قائلين ليرتبط بما قبله وهو إخبار في معنى النهي كقوله تعالى:لا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } [البقرة: 282] وكما تقول: تذهب إلى فلان وتقول له كيت وكيت، وإلى ذلك ذهب الفراء، ويرجحه أنه أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أن المنهي كأنه سارع إلى ذلك فوقع منه حتى أخبر عنه بالحال أو الماضي أي ينبغي أن يكون كذلك فلا يرد أن حال المخبر عنه على خلافه وأنه قرأ ابن مسعود { لاَّ تَعْبُدُواْ } على النهي وأن { قُولُواْ } عطف عليه فيحصل التناسب المعنوي بينهما في كونهما إنشاء، وإن كان يجوز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب، وقيل: تقديره أن لا تعبدوا، فلما حذف الناصب ارتفع الفعل، ولا يجب الرفع بعد الحذف في مثل ذلك خلافاً لبعضهم ـ وإلى هذا ذهب الأخفش ـ ونظيره من نثر العرب/ مره يحفرها ومن نظمها:
ألا أيها الزاجري احضر الوغى   وإن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
ويؤيد هذا قراءة { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ } ويضعفه أن (أن) لا تحذف قياساً في مواضع ليس هذا منها؛ فلا ينبغي تخريج الآية عليه، وعلى تخريجها عليه فهو مصدر مؤول بدل من الميثاق أو مفعول به بحذف حرف الجر أي بأن لا أو على أن لا، وقيل: إنه جواب قسم دل عليه الكلام، أي حلفناهم لا تعبدون، أو جواب الميثاق نفسه لأن له حكم القسم، وعليه يخلو الكلام عما مر في وجه رجحان الأول، وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم، ويعقوب، ـ بالتاء ـ حكاية لما خوطبوا به والباقون ـ بالياء ـ لأنهم غيب، وفي الآية حينئذٍ التفاتان في ـ لفظ الجلالة ـ و (يعبدون).

{ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا } متعلق بمضمر تقديره وتحسنون، أو أحسنوا، والجملة معطوفة على (تعبدون) وجوّز تعلقه بـ (إحساناً) وهو يتعدى بالباء، وإلى كـأَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسّجْنِ } [يوسف: 100]وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } [القصص: 77] ومنع تقدم معمول المصدر عليه مطلقاً ممنوع، ومن المعربين من قدر استوصوا فبالوالدين متعلق به و (إحساناً) مفعوله، ومنهم من قدر ووصيناهم فإحساناً مفعول لأجله، والوالدان تثنية والد لأنه يطلق على الأب والأم أو تغليب بناءً على أنه لا يقال إلا للأب كما ذهب إليه الحلبـي، وقد دلت الآية على الحث ببر الوالدين وإكرامهما، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، وناهيك احتفالاً بهما أن الله عز اسمه قرن ذلك بعبادته.

السابقالتالي
2 3 4 5