الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } جملة حالية معطوفة على قوله تعالى:وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } [البقرة: 75] عند فريق منهم، وعند آخرين علىوَإِذْ قَتَلْتُمْ } [البقرة: 72] عطف قصة على قصة، واختار بعض المحققين أنها اعتراض لرد ما قالوا حين أوعدوا ـ على ما تقدم ـ بالوليل ـ بل جميع الجمل عنده من قوله تعالى:أَفَتَطْمَعُونَ } [البقرة: 75] إلى قوله تعالى:وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَ } [البقرة: 83] الخ، ذكر استطراداً بين القصتين المعطوفتين، فالضمير في { قَالُواْ } عائد علىلِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ } [البقرة: 79] ـ والمس ـ اتصال أحد الشيئين بآخر ـ على وجه الإحساس والإصابة ـ وذكر الراغب أنه كاللمس، لكن اللمس قد يقال لطلب الشيء ـ وإن لم يوجد ـ كقوله:
وألمسه فلا أجده   
والمراد من النار نار الآخرة، ومن المعدودة المحصورة القليلة، وكنى ـ بالمعدودة ـ عن القليلة لما أن الأعراب لعدم علمهم بالحساب وقوانينه تصوّر القليل متيسر العدد والكثير متعسره، فقالوا: شيء معدود ـ أي قليل ـ وغير معدود ـ أي كثير ـ والقول بأن ـ القلة ـ تستفاد من أن الزمان ـ إذا كثر ـ لا يعد بالأيام، بل بالشهور والسنة والقرن يشكل بقوله تعالى:كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ } [البقرة: 183] إلىأَيَّامًا مَّعْدُودٰتٍ } [البقرة: 184] وبقوله سبحانه:وإِذْ وٰعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [البقرة: 51] وروي عنهم أنهم يعذبون أربعين يوماً عدد عبادتهم العجل؛ ثم ينادى أخرجوا كل مختون من بني إسرائيل، وفي رواية أنهم يعذبون سبعة أيام لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم، وهي سبعة آلاف سنة. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنهم زعموا أنهم وجدوا مكتوباً في التوراة إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم، وأنهم يقطعون في كل يوم مسيرة سنة فيكملونها، وقد قالوا ذلك حين دخل النبـي صلى الله عليه وسلم المدينة وسمعه المسلمون فنزلت هذه الآية.

{ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْدًا } تبكيت لهم وتوبيخ ـ والعهد ـ مجاز عن خبره تعالى، أو وعده بعدم مساس النار لهم سوى ـ الأيام المعدودة ـ وسمي ذلك عهداً لأنه أوكد من العهود المؤكدة بالقسم والنذر، وفسره قتادة هنا بالوعد مستشهداً بقوله تعالى:وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ } [التوبة: 75] إلى قوله سبحانه:بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } [التوبة: 77].

واعترض: بأنه لا وجه للتخصيص، فإن { لَن تَمَسَّنَا } الخ فرع الوعد والوعيد لأن مساس النار وعيد، وأجيب بأنه إنما لم يتعرض للوعيد، لأن المقصود بالاستفهام الوعد ـ لا الوعيد ـ فإنه ثابت في حقهم. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى الآية هل قلتم لا إله إلا الله، وآمنتم وأطعتم فتستدلون بذلك وتعلمون خروجكم من النار؟ ويؤول إلى هل أسلفتم عند الله أعمالاً توجب ما تدعون؟ والمعنى الأول أظهر.

السابقالتالي
2