الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

{ فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَـٰبَ بِأَيْدِيهِمْ } ـ الويل ـ مصدر لا فعل له من لفظه، وما ذكر من قولهم: وأل مصنوع ـ كما في «البحر» ـ ومثله ويح وويب وويس وويه وعول، ولا يثنى ولا يجمع ويقال: ويلة ويجمع على ويلات وإذا أضيف فالأحسن فيه النصب ـ ولا يجوز غيره عند بعض ـ وإذا أفردته اختير ـ الرفع ـ ومعناه الفضيحة والحسرة وقال الخليل: شدة الشر؛ وابن المفضل ـ الحزن ـ وغيرها ـ الهلكة ـ وقال الأصمعي: هي كلمة تفجع وقد تكون ترحماً ومنه ـ ويل أمه مسعر حرب ـ وورد من طرق صححها الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الويل واد في جهنم يهوي به الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره " وفي بعض الروايات: " إنه جبل فيها " وإطلاقه على ذلك إما حقيقة شرعية، وإما مجاز لغوي من إطلاق لفظ الحال على المحل ولا يمكن أن يكون حقيقة لغوية لأن العرب تكلمت به في نظمها ونثرها قبل أن يجىء القرآن ولم تطلقه على ذلك وعلى كل حال هو هنا مبتدأ خبره { لِلَّذِينَ } فإن كان علماً لما في الخبر فظاهر، وإلا فالذي سوغ الابتداء به كونه دعاء، وقد حول عن المصدر المنصوب للدلالة على الدوام والثبات، ومثله يجوز فيه ذلك لأنه غير مخبر عنه، وقيل: لتخصص النكرة فيه بالداعي كما تخصص سلام في ـ سلام عليك ـ بالمسلم فإن المعنى ـ سلامي عليك ـ وكذلك المعنى هٰهنا ـ دعائي عليهم بالهلك ثابت لهم ـ والكتابة معروفة. وذكر الأيدي تأكيداً لدفع توهم المجاز، ويقال: أول من كتب بالقلم إدريس، وقيل: آدم عليهما السلام، والمراد بالكتاب المحرف، وقد روي أنهم كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صورة النبـي صلى الله عليه وسلم وبثوها في سفهائهم وفي العرب وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل وصاروا إذا سئلوا عن النبـي صلى الله عليه وسلم يقولون: ما هذا هو الموصوف عندنا في التوراة ويخرجون التوراة المبدلة ويقرؤنها ويقولون: هذه التوراة التي أنزلت من عند الله، ويحتمل أن يكون/ المراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة وروّجوه على العامة، وقد قال بعض العلماء: ما انفك كتاب منزل من السماء من تضمن ذكر النبـي صلى الله عليه وسلم ولكن بإشارة لا يعرفها إلا العالمون، ولو كان متجلياً للعوام لما عوتب علماؤهم في كتمانه، ثم ازداد ذلك غموضاً بنقله من لسان إلى لسان، وقد وجد في التوراة ألفاظ إذا اعتبرتها وجدتها دالة على صحة نبوته عليه الصلاة والسلام بتعريض هو عند الراسخين جلي، وعند العامة خفي، فعمد إلى ذلك أحبار من اليهود فأوّلوه، وكتبوا تأويلاتهم المحرفة بأيديهم.

السابقالتالي
2 3