الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا } جملة مستأنفة سيقت إثر بيان ما صدر عن أسلافهم لبيان ما صدر عنهم بالذات من الشنائع المؤيسة عن إيمانهم من نفاق بعض وعتاب آخرين عليهم، ويحتمل أن تكون معطوفة علىوَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } [البقرة: 75] الخ، وقيل: معطوف علىيَسْمَعُونَ } [البقرة: 75] وقيل: على قوله تعالى:وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } [البقرة: 72] عطف القصة على القصة وضمير { لَقُواْ } لليهود على طبقأَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } [البقرة: 75] وضمير { قَالُواْ } للاقين لكن لا يتصدى الكل للقول حقيقة، بل بمباشرة منافقيهم وسكوت الباقين، فهو إسناد ما للبعض للكل ـ ومثله أكثر من أن يحصى ـ وهذا أدخل، كما قال مولانا ـ مفتي الديار الرومية ـ في تقبيح حال الساكتين أولاً: العاتبين ثانياً لما فيه من الدلالة على نفاقهم واختلاف أحوالهم وتناقض آرائهم من إسناد القول إلى المباشرين خاصة بتقدير المضاف، أي قال منافقوهم ـ كما فعله البعض ـ وقيل: الضمير الأول لمنافقي اليهود كالثاني ليتحد فاعل الشرط والجزاء مراعاة لحق النظم ويؤيده ما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة في تفسير { وَإِذَا لَقُواْ } يعني منافقي اليهود المؤمنين الخلّص قالوا: إلا أن السباق واللحاق ـ كما رأيت وسترى ـ يبعدان ذلك، وقرأ ابن السميقع { لاقوا }.

{ وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي إذا انفرد بعض المذكورين ـ وهم الساكتون منهم ـ بعد فراغهم عن الاشتغال بالمؤمنين متوجهين منضمين إلى بعض آخر منهم وهم من نافق، وهذا كالنص على اشتراك الساكتين في لقاء المؤمنين، إذ ـ الخلو ـ إنما يكون بعد الاشتغال، ولأن عتابهم معلق بمحض ـ الخلو ـ ولولا إنهم حاضرون عند المقاولة لوجب أن يجعل سماعهم من تمام الشرط، ولأن فيه زيادة تشنيع لهم على ما أوتوا من السكوت ثم العتاب.

{ قَالُواْ } أي أولئك البعض الخالي موبخين لمنافقيهم على ما صنعوا بحضرتهم. { أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي تخبرون المؤمنين بما بينه الله تعالى لكم خاصة من نعت نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أو من أخذ العهود على أنبيائكم بتصديقه صلى الله عليه وسلم ونصرته، والتعبير عند ـ بالفتح ـ للإيذان بأنه سر مكتوم وباب مغلق، وفي الآية إشارة إلى أنهم لم يكتفوا بقولهم: { ءامَنَّا } بل عللوه بما ذكر، وإنما لم يصرح به تعويلاً على شهادة التوبيخ، ومن الناس من جوّز كون هذا التوبيخ من جهة المنافقين لأعقابهم وبقاياهم الذين لم ينافقوا، وحينئذ يكون البعض الذي هو فاعل خلا عبارة عن المنافقين، وفيه وضع المظهر موضع المضمر تكثيراً للمعنى ـ والاستفهام إنكار ـ ونهي عن التحديث في الزمان المستقبل وليس بشيء ـ وإن جل قائله ـ اللهم إلا أن يكون فيه رواية صحيحة، ودون ذلك خرط القتاد.

السابقالتالي
2 3