الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } القسوة في الأصل اليبس والصلابة وقد شبهت هنا حال قلوبهم وهي نبوها عن الاعتبار بحال قسوة الحجارة في أنها لا يجري فيها لطف العمل ففي { قَسَتْ } استعارة تبعية أو تمثيلية، و { ثُمَّ } لاستبعاد القسوة بعد مشاهدة ما يزيلها، وقيل: إنها للتراخي في الزمان لأنهم قست قلوبهم بعد مدة حين قالوا إن الميت كذب عليهم أو أنه عبارة عن قسوة عقبهم، والضمير في { قُلُوبُكُمْ } لورثة القتيل عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعند أبـي العالية وغيره لبني إسرائيل { مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } أي إحياء القتيل، وقيل: كلامه، وقيل: ما سبق من الآيات التي علموها ـ كمسخهم قردة وخنازير، ورفع الجبل، وانبجاس الماء، والإحياء ـ وإلى ذلك ذهب الزجاج، وعليه تكون { ثُمَّ قَسَتْ } الخ عطفاً على مضمون جميع القصص السابقة والآيات المذكورة، وعلى سابقه تكون عطفاً على قصةوَإِذْ قَتَلْتُمْ } [البقرة: 72] { فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ } أي في القسوة وعدم التأثر والجمع لجمع القلوب وللإشارة إلى أنها متفاوتة في القسوة كما أن الحجارة متفاوتة في الصلابة ـ والكاف ـ للتشبيه وهي حرف عند سيبويه وجمهور النحويين. والأخفش يدعى اسميتها وهي متعلقة هنا بمحذوف أي كائنة كالحجارة خلافاً لابن عصفور إذ زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء.

{ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } أي من الحجارة فهي كالحديد مثلاً أو كشيء لا يتأثر أصلاً ولو وهماً، و { أَوْ } لتخيير المبالغ ويكون في التشبيه كما يكون بعد الأمر، أو للتنويع أي بعض كالحجارة وبعض أشدّ أو للترديد بمعنى تجويز الأمرين مع قطع النظر عن الغير على ما قيل، أو بمعنى بل ويحتاج إلى تقدير مبتدأ إذا قلنا باختصاص ذلك بالجمل، أو بمعنى الواو أو للشك وهو لاستحالته عليه تعالى يصرف إلى الغير والعلامة لا يرتضي ذلك لما أنه يؤدي إلى تجويز أن يكون معاني الحروف بالقياس إلى السامع، وفيه إخراج للألفاظ عن أوضاعها فإنها إنما وضعت ليعبر بها المتكلم عما في ضميره، والحق جواز اعتبار السامع في معاني الألفاظ عند امتناع جريها على الأصل بالنظر إلى المتكلم فلا بأس بأن يسلك بـ { أَوْ } في الشك مسلك لعل في الترجي الواقع في كلامه تعالى فتلك جادة مسلوكة لأهل السنة. وقد مرت الإشارة إلى ذلك فتذكر.

و { أَشَدَّ } عطف على { كَٱلْحِجَارَةِ } من قبيل عطف المفرد على المفرد كما تقول: زيد على سفر أو مقيم، وقدر بعضهم أو هي أشد فيصير من عطف الجمل، ومن الناس من يقدر مضافاً محذوفاً أي مثل ما هو أشد، ويجعله معطوفاً على الكاف إن كان اسماً أو مجموع الجار والمجرور إذا كان حرفاً، ثم لما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه فأعرب بإعرابه، ولا يخفى أن اعتبار التشبيه في جانب المعطوف بدون عطفه على المجرور بالكاف مستبعد جداً.

السابقالتالي
2 3 4