الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ } صفة { بَقَرَةٌ } وهو من الوصف بالمفرد، ومن قال: هو من الوصف بالجملة، وأن التقدير لا هي ذلول فقد أبعد عن الصواب، و { لا } بمعنى غير، وهو اسم على ما صرح به السخاوي وغيره لكن لكونها في صورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها، ويحتمل أن تكون حرفاً ـ كإلا ـ التي بمعنى غير في مثل قوله تعالى:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء: 22] و ـ الذلول ـ الريض الذي زالت صعوبته يقال: دابة ذلول بينة الذل بالكسر، ورجل ذلول بين الذل بالضم.

{ تُثِيرُ ٱلاْرْضَ وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } { لا } صلة لازمة لوجوب التكرار في هذه الصورة وهي مفيدة للتصريح بعموم النفي إذ بدونها يحتمل أن يكون لنفى الاجتماع، ولذا تسمى المذكرة و ـ الإثارة ـ قلب الأرض للزراعة من أثرته إذا هيجته، والحرث الأرض المهيأة للزرع أو هو شق الأرض ليبذر فيها، ويطلق على ما حرث وزرع، وعلى نفس الزرع أيضاً، والفعلان صفتا (ذلول) والصفة يجوز وصفها على ما ارتضاه بعض النحاة وصرح به السمين والفعل الأول داخل في حيز النفي والمقصود نفي إثارتها الأرض ـ أي لا تثير الأرض ـ فتذل فهو من باب:
على لا حب لا يتهدي بمناره   
ففيه نفي للأصل والفرع معاً، وانتفاء الملزوم بانتفاء اللازم، قال الحسن: كانت هذه البقرة وحشية ولهذا وصفت بأنها { لا تُثِيرُ ٱلاْرْضَ } الخ، وذهب قوم إلى أن تثير مثبت لفظاً ومعنى؛ وأنه أثبت للبقرة أنها تثير الأرض وتحرثها ونفى عنها سقي الحرث، ورد بأن ما كان يحرث لا ينتفي عنه كونه ذلولاً، وقال بعض: المراد إنها تثير الأرض بغير الحرث بطراً ومرحاً، ومن عادة البقر إذا بطرت تضرب بقرونها وأظلافها فتثير تراب الأرض فيكون هذا من تمام قوله: { لاَّ ذَلُولٌ } لأن وصفها بالمرح والبطر دليل على ذلك ـ وليس عندي بالبعيد ـ وذهب بعضهم كما في الكواشي إلى أن جملة { تُثِيرُ } في محل نصب على الحال، قال ابن عطية: ولا يجوز ذلك لأنها من نكرة، واعترض بأنه إن أراد بالنكرة بقرة فقد وصفت، والحال من النكرة الموصوفة جائزة جوازاً حسناً وإن أراد بها { لاَّ ذَلُولٌ } فمذهب سيبويه جواز مجيء الحال من النكرة وإن لم توصف، وقد صرح بذلك في مواضع من " كتابه " اللهم إلا أن يقال: إنه تبع الجمهور في ذلك ـ وهم على المنع ـ وجعل الجملة حالاً من الضمير المستكن في ذلول أي: لا ذلول في حال إثارتها ليس بشيء.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: { لاَّ ذَلُولٌ } بالفتح فلا للتبرئة، والخبر محذوف أي هناك، والمراد مكان وجدت هي فيه، والجملة صفة ذلول، وهو نفي لأن توصف بالذل، ويقال: هي ذلول بطريق الكناية لأنه لو كان في مكان البقرة لكانت موصوفة به ضرورة اقتضاء الصفة للموصوف، فلما لم يكن في مكانها لم تكن موصوفة به، فهذا كقولهم محل ـ فلان ـ مظنة الجود والكرم، وهذا أولى مما قيل: إن { تُثِيرُ } خبر { لا } والجملة معترضة بين الصفة والموصوف لأنه أبلغ كما لا يخفى، وبعضهم خرج القراءة على البناء نظراً إلى صورة { لا } كما ـ في كنت بلا مال ـ بالفتح، وليس بشيء لأن ذلك مقصور على مورد السماع، وليس بقياسي على ما يشعر به كلام الرضي وقرىء { تَسْقِى } بضم حرف المضارعة من أسقى بمعنى سقى، وبعض فرق بينهما بأن سقى لنفسه، وأسقى لغيره كماشيته وأرضه.

السابقالتالي
2 3