{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } إعادة للسؤال عن الحال والصفة لا لرد الجواب الأول ـ بأنه غير مطابق وأن السؤال باق على حاله ـ بل لطلب الكشف الزائد على ما حصل وإظهار أنه لم يحصل البيان التام. { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } تعليل لقوله تعالى: { ٱدْعُ } كما في قوله تعالى:{ صَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ } [التوبة: 103] وهو اعتذار لتكرير السؤال أي إن البقر الموصوف بما ذكر كثير فاشتبه علينا، والتشابه مشهور في البقر، وفي الحديث: «فتن كوجوه البقر» أي يشبه بعضها بعضاً، وقرأ يحيـى وعكرمة ـ (إن الباقر) ـ وهو اسم لجماعة البقر، والبقر اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء ومثله يجوز تذكيره وتأنيثه ـ كـ{ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [القمر: 20]{ وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ } ـ [ ق: 10] وجمعه أباقر، ويقال فيه: بيقور وجمع بواقر، وفي «البحر» إنما سمي هذا الحيوان بذلك لأنه يبقر الأرض أي يشقها للحرث، وقرأ الحسن { تشـٰبه } بضم الهاء جعله مضارعاً محذوف التاء وماضيه (تشابه) وفيه ضمير يعود على البقر على أنه مؤنث، والأعرج كذلك إلا أنه شدد الشين، والأصل ـ تتشابه ـ فأدغم، وقرىء (تشبه) ـ بتشديد الشين ـ على صيغة المؤنث من المضارع المعلوم، ويشبه بالياء والتشديد على صيغة المضارع المعلوم أيضاً، وابن مسعود ـ يشابه ـ بالياء والتشديد جعله مضارعاً من تفاعل لكنه أذغم التاء في الشين، وقرىء مشتبه ومتشبه ويتشابه ـ والأعمش ـ متشابه، ومتشابهة ـ وقرىء ـ تشابهت ـ بالتخفيف، وفي مصحف أبيّ بالتشديد، واستشكل بأن التاء لا تدغم إلا في المضارع، وليس في زنة الأفعال فعل ماض على تفاعل بتشديد الفاء ووجه بأن أصله ـ / إن البقرة تشابهت ـ فالتاء الأولى من البقرة؛ والثانية من الفعل فلما اجتمع مثلان أدغم نحو ـ الشجرة تمايلت ـ إلا أن جعل التشابه في بقرة ركيك، والأهون القول بعدم ثبوت هذه القراءة فإن دون تصحيحها على وجه وجيه خرط القتاد، ويشكل أيضاً ـ تشابه ـ من غير تأنيث لأنه كان يجب ثبوت علامته إلا أن يقال: إنه على حد قوله:
ولا أرض أبقل إبقالها
وابن كيسان يجوزه في السعة. { وَإِنَّا إِن شَاء ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } أي إلى عين البقرة المأمور بذبحها، أو لما خفي من أمر القاتل، أو إلى الحكمة التي من أجلها أمرنا، وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ـ مرفوعاً معضلاً ـ وسعيد عن عكرمة ـ مرفوعاً مرسلاً ـ وابن أبـي حاتم عن أبـي هريرة ـ مرفوعاً موصولاً ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لو لم يستثنوا لما تبينت لهم آخر الأبد "