الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ }

{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنَ لَّنَا مَا هِىَ } أي سل لأجلنا ربك ـ الذي عوّدك ما عوّدك ـ يظهر لنا ما حالها وصفتها، فالسؤال في الحقيقة عن الصفة، لأن الماهية ومسمى الاسم معلومان ـ ولا ثالث لهما ـ لتستعمل { مَا } فيه، أما إذا أريد بقرة معينة فظاهر لأنه استفسار لبيان المجمل ـ وإلا فلمكان التعجب ـ وتوهم أن مثل هذه البقرة لا تكون إلا معينة، والجواب على الأول: بيان. وعلى الثاني: نسخ وتشديد، وهكذا الحال فيما سيأتي من السؤال والجواب. وكان مقتضى الظاهر على الأول: أي لأنها للسؤال عن المميز وصفا كان أو ذاتياً. وعلى الثاني: كيف؟ لأنها موضوعة للسؤال عن الحال، و { مَا } وإن سئل بها عن الوصف لكنه على سبيل الندور، وهو إما مجاز أو اشتراك ـ كما صرح به في «المفتاح» ـ والغالب السؤال بها عن الجنس، فإن أجريت هنا على الاستعمال الغالب نزل مجهول الصفة لكونه على صفة لم يوجد عليها جنسه ـ وهو إحياء الميت بضرب بعضه ـ منزلة مجهول الحقيقة فيكون سؤالا عن الجنس تنزيلاً، وعن الصفة حقيقة. وإن أجريت على النادر لم يحتج إلى التنزيل المذكور، والقول إنه يمكن أن يجعل { مَا هِىَ } على حذف مضاف ـ أي ما حالها؟ ـ فيكون سؤالاً عن نوع حال تفرع عليه هذه الخاصية ـ على بعده ـ خال عن اللطافة اللائقة بشأن الكتاب العزيز. و { مَا } استفهامية خبر مقدم لـِ { هِىَ } والجملة في موضع نصب بيبين لأنه معلق عنها، وجاز فيه ذلك لشبهه بأفعال القلوب، والمعنى: يبين لنا جواب هذا السؤال.

{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } الفارض اسم للمسنة التي انقطعت ولادتها من الكبر، والفعل ـ فرضت ـ بفتح الراء وضمها ـ ويقال لكل ما قدم/ وطال أمره فارض ومنه قوله:
يا رُبَّ ذي ضِعْن عَلَيَّ (فَارِضِ)   له قُروء كقروء الحائضِ
وكأن المسنة سميت ـ فارضا ـ لأنها ـ فرضت ـ سنها أي قطعتها وبلغت آخرها، و ـ البكر اسم للصغيرة، وزاد بعضهم ـ التي لم تلد من الصغر ـ وقال ابن قتيبة: هي التي ولدت ولداً واحداً، والبكر من النساء التي لم يمسها الرجال، وقيل: هي التي لم تحمل، والبكر من الأولاد الأول، ومن الحاجات الأولى ـ والبكر ـ بفتح الباء ـ الفتيّ من الإبل، والأنثى ـ بكرة ـ وأصله من التقدم في الزمان، ومنه ـ البكرة والباكورة ـ والاسمان صفة بقرة ولم يؤت ـ بالتاء ـ لأنهما اسمان لما ذكر، واعترضت { لا } بين الصفة والموصوف وكررت لوجوب تكريرها مع الخبر والنعت والحال إلا في الضرورة خلافاً للمبرد وابن كيسان كقوله:

السابقالتالي
2 3