الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } بيان نوع من مساويهم من غير تعديد النعم وصح العطف لأن ذكر النعم سابقاً كان مشتملاً على ذكر المساوي أيضاً من المخالفة للأنبياء والتكذيب لهم وغير ذلك، وقد يقال: هو على نمط ما تقدم، لأن الذبح نعمة دنيوية لرفعة التشاجر بين الفريقين، وأخروية لكونه معجزة لموسى عليه السلام. وكأن مولانا الإمام الرازي خفي عليه ذلك فقال: إنه تعالى لما عدد وجوه إنعامه عليهم أولاً ختم ذلك بشرح بعض ما وجه إليهم من التشديدات، وجعل النوع الثاني ما أشارت إليه هذه الآية ـ وليس بالبعيد ـ.

وأول القصة: قوله تعالى:وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا } [البقرة: 72] الخ، وكان الظاهر أن يقال ـ قال موسى إذ قتل قتيل تنوزع في قاتله ـ إن الله يأمر بذبح بقرة هي كذا وكذا، وأن يضرب ببعضها ذلك القتيل ويخبر بقاتله فيكون كيت وكيت إلا أنه فك بعضها وقدم لاستقلاله بنوع من مساويهم التي قصد نعيها عليهم، وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السؤال، وترك المصارعة إلى الامتثال، ولو أجري على النظم لكانت قصة واحدة، ولذهبت تثنية التقريع، وقد وقع في النظم من فك التركيب والترتيب ما يضاهيه في بعض القصص، وهو من المقلوب المقبول لتضمنه نكتاً وفوائد، وقيل: إنه يجوز أن يكون ترتيب نزولها على موسى عليه السلام على حسب تلاوتها بأن يأمرهم الله تعالى ـ بذبح البقرة ـ ثم يقع القتل فيؤمروا بضرب بعضها ـ لكن المشهور خلافه ـ والقصة أنه عمد أخوان من بني إسرائيل إلى ابن عم لهما ـ أخي أبيهما ـ فقتلاه ليرثا ماله وطرحاه على باب محلهم ثم جاءا يطلبان بدمه فأمر الله تعالى بذبح بقرة وضربه ببعضها ليحيا، ويخبر بقاتله، وقيل: كان القاتل أخا القتيل، وقيل: ابن أخيه ولا وارث له غيره فلما طال عليه عمره قتله ليرثه، وقيل: إنه كان ـ تحت رجل يقال له عاميل ـ بنت عم لا مثل لها في بني إسرائيل في الحسن والجمال فقتله ذو قرابة له لينكحها فكان ما كان، وقرأ الجمهور (يأمركم) بضم الراء، وعن أبـي عمرو السكون والاختلاس ـ وإبدال الهمزة ألفاً، و { أَن تَذْبَحُواْ } من موضع المفعول الثاني ليأمر، وهو على إسقاط حرف الجر ـ أي بأن تذبحوا.

{ قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } استئناف وقع جواباً عما ينساق إليه الكلام كأنه قيل: فماذا صنعوا هل سارعوا إلى الإمتثال أم لا؟ فأجيب بذلك، والاتخاذ كالتصيير، والجعل يتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، و { هُزُواً } مفعوله الثاني ولكونه مصدراً لا يصلح أن يكون مفعولاً ثانياً لأنه خبر المبتدأ في الحقيقة وهو اسم ذات هنا فيقدر مضاف ـ كمكان، أو أهل ـ أو يجعل بمعنى المهزوء به كقوله تعالى:

السابقالتالي
2