الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـٰقَكُمْ } تذكير بنعمة أخرى، لأنه سبحانه إنما فعل ذلك لمصلحتهم، والظاهر من الميثاق هنا العهد، ولم يقل: مواثيقكم، لأن ما أخذ على كل واحد منهم أخذ على غيره ـ فكان ميثاقاً واحداً ـ ولعله كان بالانقياد لموسى عليه السلام، واختلف في أنه متى كان؟ فقيل: قبل رفع الطور؛ ثم لما نقضوه رفع فوقهم لظاهر قوله تعالى:وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ } [النساء: 154] الخ، وقيل: كان معه { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } ـ الواو ـ للعطف؛ وقيل: للحال، والطور قيل: جبل من الجبال، وهو سرياني معرب، وقيل: الجبل المعين. وعن أبـي حاتم عن ابن عباس أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة وما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم وأبوا قبولها فأمر جبريل بقلع الطور فظلله فوقهم حتى قبلوا؛ وكان على قدر عسكرهم ـ فرسخاً في فرسخ ـ ورفع فوقهم قدر قامة الرجل، واستشكل بأن هذا يجري مجرى الإلجاء/ إلى الإيمان فينافي التكليف، وأجاب الإمام بأنه لا إلجاء لأن الأكثر فيه خوف السقوط عليهم، فإذا استمر في مكانه مدة ـ وقد شاهدوا السمٰوات مرفوعة بلا عماد ـ جاز أن يزول عنهم الخوف فيزول الإلجاء ويبقى التكليف، وقال العلامة: كأنه حصل لهم بعد هذا الإلجاء قبول اختياري، أو كان يكفي في الأمم السالفة مثل هذا الإيمان ـ وفيه كما قال السيالكوتي ـ إن الكلام في أنه كيف يصح التكليف بـ { خُذُواْ } الخ مع القسر، وقد تقرر أن مبناه على الاختيار ـ فالحق أنه إكراه ـ لأنه حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه ولا يختاره ـ لو خلي ونفسه ـ فيكون معدماً للرضا لا للاختيار إذ الفعل يصدر باختياره كما فصل في الأصول، وهذا كالمحاربة مع الكفار، وأما قوله:لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ } [البقرة: 256] وقوله سبحانه:أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [يونس: 99] فقد كان قبل الأمر بالقتال ثم نسخ به.

{ خُذُواْ مَا ءاتَيْنَـٰكُم بِقُوَّةٍ } هو على إضمار القول أي قلنا أو قائلين خذوا وقال بعض الكوفيين: لا يحتاج إلى إضماره لأن أخذ الميثاق قول، والمعنى: وإذ أخذنا ميثاقكم بأن تأخذوا ما آتيناكم، ـ وليس بشيء ـ والمراد هنا ـ بالقوة ـ الجد والاجتهاد ـ كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ويؤول إلى عدم التكاسل والتغافل، فحينئذ لا تصلح الآية دليلاً لمن ادعى أن الاستطاعة قبل الفعل إذ لا يقال: خذ هذا بقوة، إلا والقوة حاصلة فيه لأن القوة بهذا المعنى لا تنكر صحة تقدمها على الفعل. { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } أي ادرسوه واخفظوه ولا تنسوه، أو تدبروا معناه، أو اعلموا بما فيه من الأحكام، فالذكر يحتاج أن يراد به الذكر اللساني والقلبـي والأعم منهما وما يكون كاللازم لهما، والمقصود منهما أعني العمل.

السابقالتالي
2