الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } لما انجر الكلام إلى ذكر وعيد أهل الكتاب قرن به ما يتضمن الوعد جرياً على عادته سبحانه من ذكر الترغيب والترهيب وبهذا يتضح وجه توسيط هذه الآية وما قبلها بين تعداد النعم، وفي المراد بـ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } هنا أقوال، والمروي عن سفيان الثوري أنهم المؤمنون بألسنتهم، وهم المنافقون بدليل انتظامهم في سلك الكفرة والتعبير عنهم بذلك دون عنوان النفاق للتصريح بأن تلك المرتبة وإن عبر عنها بالإيمان لا تجديهم نفعاً ولا تنقذهم من ورطة الكفر قطعاً، وعن السدي أنهم الحنيفيون ممن لم يلحق الرسول صلى الله عليه وسلم ـ كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل ـ ومن لحقه ـ كأبـي ذر وبحيرى ـ ووفد النجاشي الذين كانوا ينتظرون البعثة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم المؤمنون بعيسى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى السدي عن أشياخه أنهم المؤمنون بموسى إلى أن جاء عيسى عليهما السلام فآمنوا به، وقيل: إنهم أصحاب سلمان الذين قَصّ حديثهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " هم في النار " فأظلمت الأرض عليه كما روى مجاهد عنه فنزلت عند ذلك الآية إلى: { يَحْزَنُونَ } قال سلمان: فكأنما كشف عني جبل، وقيل: إنهم المتدينون بدين محمد صلى الله عليه وسلم مخلصين أو منافقين ـ واختاره القاضي ـ وكأن سبب الاختلاف قوله تعالى فيما بعد: { مَنْ ءامَنَ } الخ فإن ذلك يقتضي أن يكون المراد من أحدهما غير المراد من الآخر وأقل الأقوال مؤنة أولها:

{ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي تهودوا يقال: هاد وتهود إذا دخل في اليهودية، و ـ يهود ـ إما عربـي من هاد إذا تاب سموا بذلك لما تابوا من عبادة العجل، ووجه التخصيص كون توبتهم أشق الأعمال كما مر، وإما معرب يهوذا بذال معجمة وألف مقصورة كأنهم سموا بأكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وقرىء { هَادَواْ } بفتح الدال أي مال بعضهم إلى بعض. { وَٱلنَّصَـٰرَىٰ } جمع نصران بمعنى نصراني، وورد ذلك في كلام العرب وإن أنكره البعض كقوله:
تراه إذا دار العشيّ محنفاً   ويضحي لديه وهو (نصران) شامس
ويقال في المؤنث نصران كندمان وندمانة ـ قال سيبويه ـ وأنشد:
كما سجدت نصرانة لم تحنف   
والياء في نصراني عنده للمبالغة كما يقال للأحمر أحمري إشارة إلى أنه عريق في وصفه، وقيل: إنها للفرق بين الواحد والجمع كزنج وزنجي، وروم ورومي، وقيل: النصارى جمع نصرى كمهرى ومهارى حذفت إحدى ياءيه وقلبت الكسرة فتحة للتخفيف فقلبت الياء ألفاً وإلى ذلك ذهب الخليل، وهو اسم لأصحاب عيسى عليه السلام، وسموا بذلك لأنهم/ نصروه، أو لنصر بعضهم لبعض، وقيل: إن عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم بالقدس ثم سارت به أمه إلى مصر ولما بلغ اثني عشر سنة عادت به إلى الشام وأقامت بقرية ناصرة، وقيل: نصرايا، وقيل: نصرى، وقيل: نصرانة، وقيل: نصران ـ وعليه الجوهري ـ فسمي من معه باسمها، أو أخذ لهم اسم منها.

السابقالتالي
2 3 4