الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ } الظاهر أنه داخل في تعداد النعم وتفصيلها وهو إجابة سؤالهم بقوله تعالى: { ٱهْبِطُواْ } الخ مع استحقاقهم كمال السخط لأنهم كفروا نعمة إنزال الطعام اللذيذ عليهم وهم في التيه من غير كدّ وتعب حيث سألوا بـ { لَن نَّصْبِرَ } فإنه يدل على كراهيتهم إياه إذ الصبر حبس النفس في المضيق، ولذا أنكر عليه بقوله تعالى: { أَتَسْتَبْدِلُونَ } الخ، فالآية في الأسلوب مثل قوله تعالى:وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ } [البقرة: 55] الخ، حيث عاندوا بعد سماع الكلام وأهلكوا، ثم أفاض عليهم نعمة الحياة، قال مولانا السيالكوتي: ومن هذا ظهر ضعف ما قال الإمام الرازي ـ لو كان سؤالهم معصية لما أجابهم، لأن الإجابة إلى المعصية معصية ـ وهي غير جائزة على الأنبياء ـ وإن قوله تعالى:كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } [البقرة: 60] أمر إباحة لا إيجاب، فلا يكون سؤالهم غير ذلك الطعام معصية، ووصف الطعام بواحد وإن كانا طعامين (المنّ والسلوى) اللذين رزقوهما في التيه، إما باعتبار كونه على نهج واحد كما يقال: طعام مائدة الأمير واحد ـ ولو كان ألواناً شتى ـ بمعنى أنه لا يتبدل ولا يختلف بحسب الأوقات، أو باعتبار كونه ضرباً واحداً لأن المنّ والسلوى من طعام أهل التلذذ والسرف، وكأن القوم كانوا فلاحة فما أرادوا إلا ما ألفوه، وقيل: إنهم كانوا يطبخونهما معاً فيصير طعاماً واحداً، والقول بأن هذا القول كان قبل نزول السلوى نازل من القول، وأهون منه القول بأنهم أرادوا بالطعام الواحد السلوى لأن المنّ كان شراباً، أو شيئاً يتحلون به، فلم يعدوه طعاماً آخر، وإلا نزل القول بأنه عبر بالواحد عن الاثنين كما عبر بالاثنين عن الواحد في نحويَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرَحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما ـ وهو الملح دون العذب ـ.

{ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } أي سله لأجلنا ـ بدعائك إياه ـ بأن يخرج لنا كذا وكذا ـ والفاء ـ لسببية عدم الصبر للدعاء، ولغة بني عامر { فَٱدْعُ } ـ بكسر العين ـ جعلوا ـ دعا من ذوات الياء ـ كرمى، وإنما سألوا من موسى أن يدعو لهم، لأن دعاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أقرب للإجابة من دعاء غيرهم، على أن دعاء الغير للغير مطلقاً أقرب إليها ـ فما ظنك بدعاء الأنبياء لأممهم؟ ـ " ولهذا قال صلى الله عليه وسلم/ لعمر رضي الله تعالى عنه: «أشركنا في دعائك " وفي الأثر: «ادعوني بألسنة لم تعصوني فيها» وحملت على ألسنة الغير، والتعرض لعنوان الربوبية لتمهيد مبادىء الإجابة، وقالوا: (ربك) ولم يقولوا: ربنا، لأن في ذلك من الاختصاص به ما ليس فيهم من مناجاته وتكليمه وإيتائه التوراة، فكأنهم قالوا: ادع لنا المحسن إليك بما لم يحسن به إلينا، فكما أحسن إليك من قبل نرجو أن يحسن إليك في إجابة دعائك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7