الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } تذكير لنعمة عظيمة كفروا بها ـ وكان ذلك في التيه لما عطشوا ـ ففي/ بعض الآثار أنهم قالوا فيه: من لنا بحر الشمس ـ فظلل عليهم الغمام ـ وقالوا: من لنا بالطعام ـ فأنزل الله تعالى عليهم المن والسلوى ـ وقالوا: من لنا بالماء ـ فأمر موسى بضرب الحجر ـ وتغير الترتيب لقصد إبراز كل من الأمور المعدودة في معرض أمر مستقل واجب التذكير والتذكر، ولو روعي الترتيب الوقوعي لفهم أن الكل أمر واحد ـ أمر بذكره ـ والاستسقاء ـ طلب ـ السقيا ـ عند عدم الماء أو قلته. قيل: ومفعول ـ استسقى ـ محذوف أي ـ ربه ـ أو ـ ماء ـ وقد تعدى هذا الفعل في الفصيح إلى ـ المستسقى ـ منه تارة ـ وإلى ـ المستسقي أخرى ـ كما في قوله تعالى:إِذْ ٱسْتَسْقَـٰهُ قَوْمُهُ } [الأعراف: 160] وقوله:
وأبيض ـ يستسقى ـ الغمام بوجهه   ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وتعديته إليهما مثل أن تقول: ـ استسقى زيد ربه الماء ـ لم نجدها في شيء من كلام العرب ـ واللام ـ متعلقة بالفعل، وهي سببية أي لأجل قومه.

{ فَقُلْنَا ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } أي فأجبناه { فَقُلْنَا } الخ ـ والعصا ـ مؤنث والألف منقلبة عن ـ واو ـ بدليل عصوان وعصوته ـ أي ضربته بالعصا ـ ويجمع على أفعل شذوذاً وعلى فعول قياساً، فيقال: أعصٍ وعصى، وتتبع حركة ـ العين ـ حركة ـ الصاد ـ و (الحجر) هو هذا الجسم المعروف، وجمعه أحجار وحجار، وقالوا: حجارة، واشتقوا منه فقالوا: استحجر الطين، والاشتقاق من الأعيان قليل جداً. والمراد بهذه (العصا) المسؤول عنها في قوله تعالى:وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 17] والمشهور أنها من آس الجنة ـ طولها عشرة أذرع طول موسى عليه السلام ـ لها شعبتان تتقدان في الظلمة، توارثها صاغر عن كابر حتى وصلت إلى شعيب ومنه إلى موسى عليهما السلام؛ وقيل: رفعها له ملك في طريق مدين، وفي المراد من (الحجر) خلاف، فقال الحسن: لم يكن حجراً معيناً، بل أي حجر ضربه انفجر منه الماء، وهذا أبلغ في الإعجاز وأبين في القدرة، وقال وهب: كان يقرع لهم أقرب حجر فتنفجر، وعلى هذا ـ اللام ـ فيه للجنس، وقيل: للعهد، وهو حجر معين حمله معه من الطور مكعب له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي أمرت أن تسقيهم، وكانوا ستمائة ألف ما عدا دوابهم، وسعة المعسكر إثنا عشر ميلاً، وقيل: حجر كان عند آدم وصل مع العصا إلى شعيب فدفع إلى موسى، وقيل: هو الحجر الذي فر بثوبه، والقصة معروفة.

السابقالتالي
2 3 4 5