الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } أي بدل الذين ظلموا بالقول الذي قيل لهم قولاً غيره { فَبَدَّلَ } يتعدى لمفعولين أحدهما: بنفسه والآخر: بالياء، ويدخل على المتروك ـ فالذمّ متوجه ـ وجوّز أبو البقاء أن يكون ـ بدل ـ محمولاً على المعنى، أي: فقال { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً } الخ، والقول بأن (غير) منصوب بنزع الخافض، كأنه قيل: فغيروا قولاً بغيره غير مرضي من القول، وصرح سبحانه ـ بالمغايرة ـ مع استحالة تحقق ـ التبديل ـ بدونها تحقيقاً لمخالفتهم وتنصيصاً على ـ المغايرة ـ من كل وجه؛ وظاهر الآية انقسام من هناك إلى ـ ظالمين ـ وغير ـ ظالمين ـ وأن ـ الظالمين ـ هم ـ الذين بدلوا ـ وإن كان ـ المبدل ـ الكل كان وضع ذلك من وضع الظاهر موضع الضمير ـ للإشعار بالعلة ـ واختلف في ـ القول الذي بدلوه ـ ففي " الصحيحين " أنهم قالوا: حبة في شعيرة، وروى الحاكم { حنطة } بدل { حِطَّةٌ } وفي «المعالم» إنهم قالوا بلسانهم ـ حطة سمقاثا ـ أي حنطة حمراء، قالوا ذلك استهزاء منهم بما قيل لهم، والروايات في ذلك كثيرة، وإذا صحت يحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين، والقول بأنه لم يكن منهم ـ تبديل ـ ومعنى ـ فبدلوا لم يفعلوا ما أمروا به، لا أنهم أتوا ببدل له ـ غير مسلم ـ وإن قاله أبو مسلم ـ وظاهر الآية، والأحاديث تكذبه.

/ { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } وضع المظهر موضع الضمير مبالغة في تقبيح أمرهم، وإشعاراً بكون ظلمهم وإضرارهم أنفسهم بترك ما يوجب نجاتها، أو وضعهم غير المأمور به موضعاً سبباً لإنزال ـ الرجز ـ وهو العذاب ـ وتكسر راؤه وتضم ـ والضم لغة بني الصعدات ـ وبه قرأ ابن محيصن ـ والمراد به هنا ـ كما روى عن ابن عباس ـ ظلمة وموت، يروى أنه مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفاً، وقال وهب: طاعون غدوا به أربعين ليلة ثم ماتوا بعد ذلك، وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفاً ـ فإن فسر بالثلج ـ كان كونه { مّنَ ٱلسَّمَاء } ظاهراً ـ وإن بغيره ـ فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء أو مبالغة في علوّه بالقهر والاستيلاء، وذكر بعض المحققين أن الجار والمجرور ظرف مستقر وقع صفة لرجزاً و { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } متعلق به لنيابته عن العامل علة له، وكلمة (ما) مصدرية، والمعنى: أنزلنا على الذين ظلموا لظلمهم عذاباً مقدراً بسبب كونهم مستمرين على ـ الفسق ـ في الزمان الماضي، وهذا أولى من جعل الجار والمجرور ظرفاً لغواً متعلقاً بأنزلنا لظهوره على سائر الأقوال، ولئلا يحتاج في تعليل ـ الإنزال بالفسق ـ بعد التعليل المستفاد من التعليق بالظلم إلى القول بأن الفسق ـ عين ـ الظلم ـ وكرر للتأكيد، أو أن ـ الظلم أعم ـ والفسق ـ لا بد أن يكون من الكبائر، فبعد وصفهم ـ بالظلم ـ وصفوا ـ بالفسق ـ للإيذان بكونه من الكبائر، فإن الأول: بضاعة العاجز.

السابقالتالي
2 3 4 5