الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَـٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِٱتّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ } نعمة أخروية في حق المقتولين من بني إسرائيل حيث نالوا درجة الشهداء، كما أن العفو نعمة دنيوية في حق الباقين، وإنما فصل بينهما بقوله:وإذ آتينا } [البقرة: 53] الخ؛ لأن المقصود تعداد النعم ـ فلو اتصلا لصارا نعمة واحدة ـ وقيل: هذه الآية وما بعدها منقطعة عما تقدم من التذكير بالنعم ـ وليس بشيء ـ واللام في { لِقَوْمِهِ } للتبليغ، وفائدة ذكره التنبيه على أن خطاب موسى لقومه كان مشافهة لا بتوسط من يتلقى منه ـ كالخطابات المذكورة سابقاً لبني إسرائيل ـ والقوم اسم جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده امرؤ ـ وقياسه أن لا يجمع ـ وشذ جمعه على ـ أقاويم ـ والمشهور اختصاصه بالرجال لقوله تعالى:لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } [الحجرات: 11] مع قوله:وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ } [الحجرات: 11] وقال زهير:
فما أدري وسوف إخال أدري   أ (قوم) آل حصن أم (نساء)
وقيل: لا اختصاص له بهم، بل يطلق على النساء أيضاً لقوله تعالى:إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [نوح: 1] والأول أصوب، واندراج النساء على سبيل الاستتباع، والتغليب والمجاز خير من الاشتراك، وسمي الرجال قوماً لأنهم يقومون بما لا يقوم به النساء، وفي إقبال موسى عليهم بالنداء، ونداؤه لهم بيا قوم إيذان بالتحنن عليهم وأنه منهم وهم منه، وهزّ لهم لقبولهم الأمر بالتوبة بعد تقريعهم بأنهم ظلموا أنفسهم والباء في { بِٱتّخَاذِكُمُ } سببية وفي ـ الاتخاذ ـ هنا الاحتمالان السابقان هناك.

{ فَتُوبُواْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ } الفاء للسببية ـ لأن الظلم سبب للتوبة ـ وقد عطفت ما بعدها على { إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ } والتوافق في الخبرية والإنشائية إنما يشترط في العطف ـ بالواو ـ وتشعر عبارات بعض الناس أنها للسببية دون العطف، والتحقيق أنها لهما معاً، والبارىء هو الذي خلق الخلق برياً ـ من التفاوت ـ وعدم تناسب الأعضاء وتلائم الأجزاء بأن تكون إحدى اليدين في غاية الصغر والرقة، والأخرى بخلافه؛ ومتميزاً بعضه عن بعض بالخواص والأشكال والحسن والقبح ـ فهو أخص من الخالق ـ وأصل التركيب لخلوص الشيء وانفصاله عن غيره إما على سبيل التفصي ـ كبرأ المريض ـ أو الإنشاء ـ كبرأ الله تعالى آدم ـ أي خلقه ابتداءً متميزاً عن لوث الطين، وفي ذكره في هذا المقام تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف حكمته حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله تعالى ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم،/ وينثر ما نظم من صورهم وأشكالهم حين لم يشكروا النعمة في ذلك وغمطوها بعبادة من لا يقدر على شيء منها ـ وهو مثل في الغباوة والبلادة ـ وقرأ أبو عمرو: { بَارِئِكُمْ } بالاختلاس، وروي عنه ـ السكون ـ أيضاً وهو من إجراء المتصل من كلمتين مجرى المنفصل من كلمة، وللناس في تخريجه وجوه لا تخلو عن شذوذ.

السابقالتالي
2 3 4