الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

{ وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } اليوم الوقت، وانتصابه إما على الظرف والمتقى محذوف ـ أي واتقوا العذاب يوماً ـ وإما مفعول به ـ واتقاؤه ـ بمعنى ـ اتقاء ما فيه ـ إما مجازاً يجعل الظرف عبارة عن المظروف أو كناية عنه للزومه له، وإلا ـ فالاتقاء ـ من نفس ـ اليوم ـ مما لا يمكن، لأنه آت لا محالة، ولا بد أن يراه أهل الجنة والنار جميعاً، والممكن المقدور ـ اتقاء ـ ما فيه بالعمل الصالح، و { تَجْزِى } من جزى بمعنى قضى، وهو متعد بنفسه لمفعوله الأول، وبعن للثاني ـ وقد ينزل منزلة اللازم للمبالغة ـ والمعنى لا تقضي يوم القيامة نفس عن نفس شيئاً مما وجب عليها، ولا تنوب عنها، ولا تحتمل مما أصابها، أو لا تقضي عنها شيئاً من الجزاء، فنصب { شَيْئاً } إما على أنه ـ مفعول به ـ أو على أنه ـ مفعول مطلق ـ قائم مقام المصدر، أي جزاء مّا.

وقرأ أبو السماك: { وَلاَ تجزئ } من أجزأ عنه إذا أغنى، فهو لازم، و { شَيْئاً } مفعول مطلق لا غير، والمعنى لا تغني نفس عن نفس شيئاً من الإغناء ـ ولا تجديها نفعاً ـ وتنكير الأسماء للتعميم في الشفيع والمشفوع، وما فيه الشفاعة، وفيه من التهويل والإيذان بانقطاع المطامع ما لا يخفى، كما يشير إليه قوله تعالى:يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبِيهِ * وَصَـٰحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس: 34ـ37] والجملة في المشهور صفة يوم والرابط محذوف، أي: لا تجزي فيه ولم يجوز الكسائي حذف المجرور إذا لم يتعين، فلا تقول: رأيت رجلاً أرغب، وأنت تريد أرغب فيه، ومذهبه في هذا التدريج، وهو أن يحذف حرف الجر أولاً حتى يتصل الضمير بالفعل ـ فيصير منصوباً ـ فيصح حذفه كما في قوله:
فما أدري أغيرهم تناء   وطول العهد أو مال أصابوا
يريد أصابوه، وقد يجوز ـ على رأي الكوفيين ـ أن لا تكون الجملة صفة، بل مضاف إليها (يوم) محذوف ـ لدلالة ما قبله عليه ـ فلا تحتاج إلى ضمير، ويكون ذلك المحذوف ـ بدلاً من المذكور ـ ومن ذلك ما حكاه الكسائي ـ أطعمونا لحماً سميناً، شاة ذبحوها ـ بجر شاة ـ على تقدير ـ لحم شاة ـ وحكى الفراء مثل ذلك، ومنه قوله:
رحم الله أعظما دفنوها   بسجستان طلحة الطلحات
في رواية من خفض طلحة، والبصريون لا يجوّزون حذف المضاف، وترك المضاف إليه على خفضه، ويقولون بشذوذ ما ورد من ذلك، وقرأ أبو سرار: (لا تجزي نسمة عن نسمة) وهي بمعنى النفس.

السابقالتالي
2 3