الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأِّدَمَ } الظرف متعلق بمقدر دل عليه الكلام - كانقادوا وأطاعوا - والعطف من عطف القصة على القصة وفي كل تعداد النعمة - مع أن الأول تحقيق للفضل وهذا اعتراف به - ولا يصح عطف الظرف على الظرف بناءاً على اللائق الذي قدمناه لاختلاف الوقتين، وجوز على أن نصب السابق بمقدر، والسجود في الأصل تذلل مع انخفاض بانحناء وغيره، وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة وفي المعنى المأمور به هنا خلاف فقيل: المعنى الشرعي، والمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى - وآدم إما قبلة أو سبب - واعترض بأن لو كان كذلك ما امتنع إبليس، وبأنه لا يدل على تفضيله عليه السلام عليهم. وقوله تعالى:أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } [الإسراء: 62] يدل عليه - ألا ترى أن الكعبة ليست بأكرم ممن سجد إليها وأجيب بالتباس الأمر على إبليس، وبأن التكريم يجعله جهة لهذه العبادة دونهم، ولا يخفى ما فيه من الدلالة على عظمة الشأن - كما في جعل الكعبة قبلة من بين سائر الأماكن - ومن الناس من جوّز كون المسجود له آدم عليه السلام حقيقة مدعياً أن السجود للمخلوق - إنما منع في شرعنا - وفيه أن السجود الشرعي عبادة، وعبادة غيره سبحانه شرك محرم في جميع الأديان والأزمان - ولا أراها حلت في عصر من الأعصار. وقيل: المعنى اللغوي ولم يكن فيه وضع/ الجباه بل كان مجرد تذلل وانقياد، فاللام إما باقية على ظاهرها، وإما بمعنى إلى مثلها في قول حسان رضي الله عنه:
أليس أول من صلى لقبلتكم   وأعرف الناس بالقرآن والسنن
أو للسببية، مثلها في قوله تعالى:أَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } [الإسراء: 78] وحكمة الأمر بالسجود إظهار الاعتراف بفضله عليه السلام، والاعتذار عما قالوا فيه مع الإشارة إلى أن حق الأستاذ على من علمه حق عظيم، وغير سبحانه الأسلوب حيث قال أولاً:وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } [البقرة: 30] وهنا { وَإِذَا قُلْنَا } - بضمير العظمة - لأن في الأول خلق آدم واستخلافه، فناسب ذكر الربوبية مضافاً إلى أحب خلفائه إليه وهنا المقام مقام إيراد أمر يناسب العظمة - وأيضاً في السجود تعظيم، فلما أمر بفعله لغيره أشار إلى كبريائه الغنية عن التعظيم. وقرأ أبو جعفر بضم تاء { ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } اتباعاً لضم الجيم، وهي لغة أزدشنوأة وهي لغة غريبة عربية - وليست بخطأ كما ظن الفارسي - فقد روي أن امرأة رأت بناتها مع رجل، فقالت: ـ أفي السوأ تنتنه - تريد أفي السوأة أنتنه.

{ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } الفاء لإفادة مسارعتهم في الامتثال وعدم تثبطهم فيه، وإبليس اسم أعجمي ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة، ووزنه - فعليل - قاله الزجاج.

السابقالتالي
2 3 4 5 6