الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } لما امتن سبحانه على من تقدم بما تقدم أتبع ذلك بنعمة عامة وكرامة تامة والإحسان إلى الأصل إحسان إلى الفرع والولد سر أبيه و (إذ) ظرف زمان للماضي مبني لشبهه بالحرف وضعا وافتقاراً ويكون ما بعدها جملة فعلية أو إسمية، ويستفاد الزمان منها بأن يكون ثاني جزأيها فعلاً أو يكون مضمونها مشهوراً بالوقوع في الزمان المعين، وإذا دخلت على المضارع قلبته إلى الماضي، وهي ملازمة للظرفية إلا أن يضاف إليها زمان، وفي وقوعها مفعولاً به أو حرف تعليل أو مفاجاة أو ظرف مكان أو زائدة خلاف، وفي «البحر» إنها لا تقع، وإذا استفيد شيء من ذلك فمن المقام، واختلف المعربون فيها هنا فقيل: زائدة وبمعنى قد، وفي موضع رفع أي ابتداء خلقكم إذ وفي موضع نصب بمقدر ـ أي ابتدأ خلقكم أو أحياكم إذ ـ ويعتبر وقتاً ممتداً لا حين القول، ويقال: بعدها ومعمول ـ لخلقكم ـ المتقدم والواو زائدة والفصل بما يكاد أن يكون سورة، ومتعلق ـ باذكر ـ ويكفي في صحة الظرفية ظرفية المفعول ـ كرميت الصيد في الحرم ـ وهذه عدة أقوال بعضها غير صحيح والبعض فيه تكلف، فاللائق أن تجعل منصوبة ـ بقالوا ـ الآتي وبينهما تناسب ظاهر والجملة بما فيها عطف على ما قبلها عطف القصة على القصة كذا قيل، وأنت تعلم أن المشهور القول الأخير ولعله الأولى فتدبر، ولا يخفي لطف الرب هنا مضافاً إلى ضميره صلى الله عليه وسلم بطريق الخطاب وكان في تنويعه والخروج من عامه إلى خاصه رمزاً إلى أن المقبل عليه بالخطاب له الحظ الأعظم والقسم الأوفر من الجملة المخبر بها فهو صلى الله عليه وسلم على الحقيقة الخليفة الأعظم في الخليقة والإمام المقدم في الأرض والسمٰوات العلى، ولولاه ما خلق آدم بل ولا ولا ولله تعالى در سيدي ابن الفارض حيث يقول عن لسان الحقيقة المحمدية:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة   فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
واللام الجارة للتبليغ، و الملائكة جمع ملأك على وزن شمائل وشمأل وهو مقلوب مالك صفة مشبهة عند الكسائي، وهو مختار الجمهور من الألوكة وهي الرسالة، فهم رسل إلى الناس وكالرسل إليهم، وقيل: لا قلب فابن كيسان إلى أنه فعال من الملك بزيادة الهمزة لأنه مالك ما جعله الله تعالى إليه أو لقوته فإن (م ل ك) يدور مع القوة والشدة يقال: ملكت العجين شددت عجنه، وهو اشتقاق بعيد، وفعال قليل، وأبو عبيدة إلى أنه مفعل من لاك إذا أرسل مصدر ميمي بمعنى المفعول؛ أو اسم مكان على المبالغة، وهو اشتقاق بعيد أيضاً، ولم يشتهر لاك، وكثر في الاستعمال الكني إليه ـ أي كن لي رسولا ـ ولم يجىء سوى هذه الصيغة فاعتبره مهموز العين، وإن أصله ألاكني، وبعض جعله أجوف من لاك يلوك، والتاء لتأنيث الجمع، وقيل: للمبالغة ولم يجعل لتأنيث اللفظ كالظلمة لاعتبارهم التأنيث المعنوي في كل جمع حيث قالوا: كل جمع مؤنث بتأويل الجماعة وقد ورد بغير تاء في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8