الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ } أي مسافرين ففيه استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا } يكتب لكم حسبما بين قبل، والجملة عطف على فعل الشرط أو حال. وقرأ أبو العالية (كتباً)، والحسن وابن عباس ـ كتاباً جمع كات { فَرِهَـٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ } أي فالذي يستوثق به أو فعليكم أو فليؤخذ أو فالمشروع رهان وهو جمع رهن وهو في الأصل مصدر ثم أطلق على المرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول ـ وليس هذا التعليق لاشتراط السفر وعدم الكاتب في شرعية الارتهان لأن النبـي صلى الله عليه وسلم رهن درعه في المدينة من يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير كما في البخاري ـ بل لإقامة التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتبة في السفر الذي هو مظنة إعوازها، وأخذ مجاهد بظاهر الآية فذهب إلى أن الرهن لا يجوز إلا في السفر وكذا الضحاك فذهب إلى أنه لا يجوز في السفر إلا عند فقد الكاتب، وإنما لم يتعرض لحال الشاهد لما أنه في حكم الكاتب توثقاً وإعوازاً، والجمهور على وجوب القبض في تمام الرهن، وذهب مالك إلى أنه يتم بالإيجاب والقبول ويلزم الراهن بالعقد تسليمه ويشترط عنده بقاؤه في يد المرتهن حتى لو عاد إلى يد الراهن بأن أودعه المرتهن إياه أو أعاده له إعادة مطلقة فقد خرج من الرهن فلو قام الغرماء وهو بيد الراهن على أحد هذين الوجهين مثلاً كان أسوة للغرماء فيه وكأنه إنما ذهب إلى ذلك لما في الرهن من اقتضاء الدوام أنشد أبو علي:
فالخبز واللحم لهن راهن   وقهوة راووقها ساكب
وفي التعبير ـ بمقبوضة ـ دون تقبضونها إيماءاً إلى الاكتفاء بقبض الوكيل ولا يتوقف على قبض المرتهن نفسه وقرىء ـ فرهن ـ كسقف وهو جمع رهن أيضاً، وقرىء بسكون الهاء تخفيفاً.

{ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا } أي بعض الدائنين بعض المديونين بحسن ظنه سفراً أو حضراً فلم يتوثق بالكتابة والشهود والرهن، وقرأ أبـيّ ـ فإن أومن ـ أي آمنه الناس ووصفوا المديون بالأمانة والوفاء والاستغناء عن التوثق من مثله، و { بَعْضًا } على هذا منصوب بنزع الخافض ـ كما قيل ـ { فَلْيُؤَدّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ } وهو المديون وعبر عنه بذلك العنوان لتعينه طريقاً للإعلام ولحمله على الأداء. { أَمَـٰنَتَهُ } أي دينه، والضمير لرب الدين أو للمديون باعتبار أنه عليه، والأمانة مصدر أطلق على الدين الذي في الذمة وإنما سمي أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الإرتهان به./ وقرىء ـ الذيتمن ـ بقلب الهمزة ياءاً، وعن عاصم أنه قرأ ـ الذتمن ـ بإدغام الياء في التاء، وقيل: هو خطأ لأن المنقلبة عن الهمزة في حكمها فلا يدغم، ورد بأنه مسموع في كلام العرب، وقد نقل ابن مالك جوازه لأنه قال: إنه مقصور على السماع، ومنه قراءة ابن محيصن ـ اتمن ـ ونقل الصاغاني أن القول بجوازه مذهب الكوفيين، وورد مثله في كلام أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وهي من الفصحاء المشهود لهم، ففي البخاري عنها

السابقالتالي
2 3