الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }

{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرّبَٰواْ } أي يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه، أخرج أحمد، وابن ماجه، وابن جريج، والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الربا وإن كثر فعاقبته تصير إلى قلّ " وأخرج عبد الرزاق عن معمر قال: سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق، ولعل هذا مخرج مخرج الغالب، وعن الضحاك أن هذا المحق في الآخرة بأن يبطل ما يكون منه مما يتوقع نفعه فلا يبقى/ لأهله منه شيء { وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ } يزيدها ويضاعف ثوابها ويكثر المال الذي أخرجت منه الصدقة. أخرج البخاري، ومسلم عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يقبل الله تعالى إلا طيباً ـ فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربـي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " وأخرج الشافعي، وأحمد مثل ذلك، والنكتة في الآية أن المربـي إنما يطلب في الربا زيادة في المال ومانع الصدقة إنما يمنعها لطلب زيادة المال، فبين سبحانه أن الربا سبب النقصان دون النماء وأن الصدقة سبب النماء دون النقصان ـ كذا قيل ـ وجعلوه وجهاً لتعقيب آيات الإنفاق بآية الربا.

{ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ } لا يرتضي { كُلَّ كَفَّارٍ } متمسك بالكفر مقيم عليه معتاد له { أَثِيمٍ } منهمك في ارتكابه والآية لعموم السلب لا لسلب العموم إذ لا فرق بين واحد وواحد، واختيار صيغة المبالغة للتنبيه على فظاعة آكل الربا ومستحله، وقد ورد في شأن الربا وحده ما ورد فكيف حاله مع الاستحلال؟ٰ أعاذنا الله تعالى من ذلك. فقد أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " درهم ربا أشد على الله تعالى من ست وثلاثين زنية " وقال: " من نبت لحمه من سحت فالنار أولى به " وأخرج ابن ماجه وغيره عن أبـي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الربا سبعون باباً أدناها مثل أن يقع الرجل على أمه وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه " وأخرج جميل بن دراج عن الإمامية عن أبـي عبد الله الحسين رضي الله تعالى عنه قال: «درهم ربا أعظم عند الله تعالى من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام». وأخرج عبد الرزاق وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الربا خمسة آكله وموكله وشاهديه وكاتبه ".