الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرّبَوٰاْ } أي يأخذونه فيعم سائر أنواع الانتفاع والتعبير عنه بالأكل لأنه معظم ما قصد به، والربا في الأصل الزيادة من قولهم: ربا الشيء يربو إذا زاد، وفي الشرع عبارة عن فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال وإنما يكتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة من يفخم وزيدت الألف بعدها تشبيهاً بواو الجمع فصار اللفظ به على طبق المعنى في كون كل منهما مشتملاً على زيادة غير مستحقة فأخذ لفظ الربا الحرف الزائد وهو الألف بسبب اللفظ الذي يشابهه وهو واو الجمع حيث زيدت فيه الألف كما يأخذ معنى لفظ الربا بمشابهته معنى لفظ البيع لاشتمال المعنيين على معاوضة المال بالمال بالرضا ـ وإن كان أحد العوضين أزيد ـ وقيل: الكتابة بالواو والألف لأن للفظ نصيباً منهما، وإنما لم تكتب الصلاة والزكاة بهما لئلا يكون في مظنة الالتباس بالجمع، وقال الفراء: إنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة وهم نبط لغتهم ـ ربوا ـ بواو ساكنة فكتب كذلك وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون كتابته وكذا تثنيته بالياء لأجل الكسرة التي في أوله، قال أبو البقاء: وهو خطأ عندنا

{ لاَ يَقُومُونَ } أي يوم القيامة ـ وبه قرىء كما في «الدر المنثور». / { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } أي إلا قياماً كقيام المتخبط المصروع في الدنيا ـ و ـ التخبط ـ تفعل بمعنى فعل وأصله ضرب متوال على أنحاء مختلفة، ثم تجوز به عن كل ضرب غير محمود، وقيام المرابـي يوم القيامة كذلك مما نطقت به الآثار، فقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياك الذنوب التي لا تغفر، الغلول فمن غل شيئاً أتى به يوم القيامة، وأكل الربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط " ثم قرأ الآية، وهو مما لا يحيله العقل ولا يمنعه، ولعل الله تعالى جعل ذلك علامة له يعرف بها يوم الجمع الأعظم عقوبة له كما جعل لبعض المطيعين أمارة تليق به يعرف بها كرامة له، ويشهد لذلك ـ أن هذه الأمة ـ يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ـ وإلى هذا ذهب ابن عباس، وابن مسعود، وقتادة ـ واختاره الزجاج ـ وقال ابن عطية: المراد تشبيه المرابـي في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن يسرع بحركات مختلفة: قد جن، ولا يخفى أنه مصادمة لما عليه سلف الأمة، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير داع سوى الاستبعاد الذي لا يعتبر في مثل هذه المقامات.

السابقالتالي
2 3 4 5