الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

{ لِلْفُقَرَاء } متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام ولهذا حذف أي اعمدوا للفقراء أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء أو صدقاتكم للفقراء، والجملة استئناف مبني على السؤال، وجوز أن يكون الجار متعلقاً بقوله تعالى:وَمَا تُنفِقُواْ } [البقرة: 272] وقوله سبحانه:وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [البقرة: 272] اعتراض أي وما تنفقوا للفقراء. { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي حبسهم الجهاد أو العمل في مرضاة الله تعالى يوف إليكم ولا يخفى بعده { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } لاشتغالهم بذلك { ضَرْبًا فِي ٱلأَرْضِ } أي مشياً فيها وذهاباً للتكسب والتجارة وهم أهل الصفة رضي الله تعالى عنهم، قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي ـ وكانوا نحواً من ثلثمائة ويزيدون وينقصون من فقراء المهاجرين يسكنون سقيفة المسجد يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والجهاد وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن سعيد بن جبير هم قوم أصابتهم الجراحات في سبيل الله تعالى فصاروا زمنى فجعل لهم في أموال المسلمين/ حقاً؛ ولعل المقصود في الروايتين بيان بعض أفراد هذا المفهوم ودخوله فيه إذ ذاك دخولاً أولياً لا الحصر إذ هذا الحكم باق إلى يوم الدين.

{ يَحْسَبُهُمُ } أي يظنهم { ٱلْجَاهِلُ } الذي لا خبرة له بحالهم. { أَغْنِيَاء مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي من أجل تعففهم على المسألة ـ فمن ـ للتعليل وأتى بها لفقد شرط من شروط النصب وهو اتحاد الفاعل، وقيل: لابتداء الغاية والمعنى إن حسبان الجاهل غناهم نشأ من تعففهم، والتعفف ترك الشيء والإعراض عنه مع القدرة على تعاطيه، ومفعوله محذوف اختصاراً كما أشرنا إليه، وحال هذه الجملة كحال سابقتها.

{ تَعْرِفُهُم بِسِيمَـٰهُمْ } أي تعرف فقرهم واضطرارهم بالعلامة الظاهرة عليهم كالتخشع والجهد ورثاثة الحال. أخرج أبو نعيم عن فضالة بن عبيد قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس تخر رجال من قيامهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة وهم أهل الصفة حتى يقول الأعراب إن هؤلاء مجانين». وأخرج هو أيضاً عن أبـي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «كان من أهل الصفة سبعون رجلاً ليس لواحد منهم رداء» والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من له حظ من الخطاب مبالغة في بيان وضوح فقرهم، ووزن ـ سيما ـ عفلا لأنها من الوسم بمعنى السمة نقلت الفاء إلى موضع العين وقلبت ياءاً لوقوعها بعد كسرة.

{ لاَ يَسْـئَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا } أي إلحاحاً وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه من قولهم لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده، وقيل: سمي الإلحاح بذلك لأنه يغطي القلب كما يغطي اللحاف من تحته ونصبه على المصدر فإنه كنوع من السؤال أو على الحال أي ملحفين، والمعنى أنهم لا يسألون أصلاً ـ وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وإليه ذهب الفراء والزجاج وأكثر أرباب المعاني ـ وعليه يكون النفي متوجهاً لأمرين على حد قول الأعشى:

السابقالتالي
2